ساحة معركة التهديدات التركية تثير مخاوف سكان في حلب

حلب – نورث برس

يخشى محمود حرصوني (35 عاماً)، وهو من سكان حي الخالدية بمدينة حلب، من تكرار الأحداث التي عاشها خلال سنوات الحرب السورية، بعد التهديدات التركية الأخيرة بشن هجوم على مدينة تل رفعت بريف حلب الشمالي.

ولا تبعد أرض المعركة التي تهدد تركيا بدخولها سوى 25 كم عن حلب، ما يولد مخاوفاً لدى سكان المناطق السكنية سواء في المدينة أو أريافها من نزوح جديد وسط احتمالية استهداف القوات التركية والفصائل الموالية لها للمدينة أيضاً.

يقول “حرصوني” إن التهديدات التركية للأرض السورية “تعيد الأحداث السابقة إلى ذاكرتي وأخشى أن يتكرر ما حصل معنا من نزوح والعيش تحت أصوات القصف”.

يستذكر الرجل ما ذاقه برفقة عائلته أثناء دخول “الجيش الحر” إلى حلب، “منزلي كان قريباً من منطقة بني زيد وذقنا المرارة وعشنا الموت مع كل صوت من القذائف التي استهدفت المنطقة، لم نستطيع النوم لساعات متواصلة بسبب القتال في معامل بني زيد”.

ويستغرب من الصمت الدولي حيال التهديدات التركية ويخص منظمة حقوق الإنسان التي “تتفاعل مع الإنسانية بكل الكرة الأرضية وعندما يصل الأمر للسوريين تصبح خارج التغطية”.

وبداية هذا الشهر، جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، نية بلاده شن عملية عسكرية جديدة “للرد على الهجمات التي تهدد أمن تركيا القومي”، وحدد أردوغان تل رفعت ومنبج هدفاً للعملية.

“عصة قبر بعد الموت”

وفي ظل هذه التهديدات، ما يزال سكان حلب يَروون لبعضهم معاناة النزوُح الأولى وصعوبة تحمل الانتقال لغير مكان نتيجة المعارك.

وفي 2012 سيطرت فصائل المعارضة المسلحة على الأحياء الشرقية من حلب، فيما بقيت الأحياء الغربية منها تحت السيطرة الحكومية، وشهدت المدينة معارك عنيفة بين الطرفين أدت إلى موجة نزوح كبيرة للسكان.

وتعرضت مدينة حلب، بحسب تقارير صحفية، لتدمير ممنهج وسرقة منظمة طالت أكثر معاملها وبيوتها خلال السنوات العشر الماضية، ما أدى إلى خروج المدينة بمجملها عن الحياة ومقوماتها الأساسية.

وتعد المدينة العاصمة الاقتصادية لسوريا، وهي ذات كثافة سكانية عالية، تقع قرب الحدود التركية في الشمال السوري، ويشتهر سكانها بالصناعة والتجارة.

وفي حي صلاح الدين الذي كان من أول الأحياء التي دخلتها المعارضة المسلحة عام 2012، يصف أنس كيال (55 عاماً) العملية العسكرية المعلن عنها بأنها “عصة قبر بعد الموت كون الاقتصاد الحلبي متوقف تجارياً نتيجة الغلاء وتراجع قوة الشراء لليرة السورية أمام الدولار”.

ويعبر الرجل الخمسيني عن سخطه من مشاركة “المجموعات الإرهابية المسلحة التابعة للمعارضة التركسورية في خيانة أرض وشعب سوريا مع السفاح التركي في احتلال ودمار وتهجير ما تبقى من شعب شمالي سوريا”.

ويتساءل بنبرة غضب، “ألم يكتفي هؤلاء الدمى التي يحركها أردوغان من رؤية الدماء السورية والخراب في حياة أطفال سوريا بعد عشرة سنوات حرب؟”.

ولم ينسَ “كيال” الذي يعمل في سوق جب القبة بالمدينة، “متى دخلت المجموعات الموالية لتركيا إلى صلاح الدين وقامت بتهجير سكانه بهدف سلب استقرار عيشنا”، على حد قوله.

ويرى أن التهديدات التركية “ليست لسكان أو أرض منطقة واحدة، إنما تسعى تركيا إلى احتلال سوريا وهدم كل ما يتعلق بمكوناتها”.

ويخشى هو الآخر من تكرار “مرارة التهجير والنزوح”.

اقرأ أيضاً :



“ضوء أخضر”

وبقلق ينتظر السوريون وخاصة سكان المناطق المهددة بشن تركيا هجوماً عليها ما ستؤول إليها الأوضاع خلال الأيام القادمة وسط تباين الآراء حول جديتها.

ففي الوقت الذي يرى البعض أن التهديدات لا تتجاوز الحرب الإعلامية وأنها ورقة تفاوض مع المجتمع الدولي، تأخذها قوات سوريا الديمقراطية بجدية، وتقول إن أي “عدوان جديد يعد استكمالاً لمخطط تقسيم سوريا الوطن وتجزئة الشمال”.

وتقول رهف توتونجي (40 عاماً)، وهي محامية من سكان حي الجميلية بحلب، إنها تتخوف على مدينتها وتكرار سيناريو عفرين.

من جانبه، يرى رأفت بركات (40 عاماً)، وهو من سكان حي الأشرفية بحلب أن تركيا تطلق تلك التهديدات، “مع وجود ضوء أخضر باتفاق مع الحلفاء المشتركين على الأرض”.

ويضيف: “شاهدنا ما حصل لمدينة حلب من كارثة إنسانية واقتصادية واجتماعية لخسارة حلب الشمال، حيث كانت عفرين وضواحيها شرياناً غذائياً لحلب والمدن الأخرى”.

ورفضت واشنطن التي تدعم “قسد” في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) نية أنقرة شن عملية عسكرية جديدة ضد حليف واشنطن السوري، فيما اعتبرت موسكو أن نشر قوات الأمن السورية سيضمن “أمن الحدود”.

ويزيد “توتونجي” على كلامه، “العملية العسكرية القادمة في حال نفذت ستقضي على أملنا في استعادة أراضينا المحتلة إن لم يتدخل الحليف المزعوم لسوريا”.

  إعداد: رافي حسن-  تحرير: سوزدار محمد