على غرار حي الصالحين في حلب.. إخلاء منازل في حي الفردوس دون تعويضات
حلب- نورث برس
يسعى محمد كزارة (55 عاماً)، وهو من سكان حي الفردوس بمدينة حلب، شمالي سوريا، لإيجاد مسكن بديل لعائلته لإعادة ترتيب حياتهم من جديد بعد إخلاء منزلهم في الحي ولجوئهم إلى بيت أهل زوجته.
ومنذ عشرين يوماً، تلقى الرجل الخمسيني قراراً من مجلس المدينة بإخلاء منزله الذي سيتم هدمه بالكامل بسبب تصدعات في أبنية ملاصقة للبناء الذي يضمه منزله، ناتجة عن القصف الذي تعرضت له خلال السنوات السابقة.
وأخلى المجلس منزل “كزارة”، إضافة إلى أربعين منزلاً في تلك الأبنية، استعداداً لهدمها بسبب “خطورتها على ساكنيها”، وأغلق مداخل الأبنية لمنع دخول أحد أو عودة العائلات إليها.
وينقسم حي الفردوس إلى جزئيين، الأول يطلق عليه “الفردوس” والآخر “مسكن الفردوس”، يفصل بينهما الشارع العام الذي يطلق عليه “الدائري الجنوبي”.
ويميز سكان مسكن الفردوس في نوعية استملاك الأرض بطابو أخضر، والأخرى كانت في البداية أرض زراعية للسكان يزرعونها ويعيشون منها.

وأواخر السبعينات ونتيجة كثرة الهجرة من الريف إلى المدينة بقصد العمل والدراسة، ازداد التوسع العمراني وتحولت الأراضي الزراعية إلى منازل عربية وأبنية لا تتعدى الثلاث طوابق بحسب سكان محليون في الحي.
لا تعويض
يصف “كزارة” عملية إخلاء منزله الذي يسكن فيه منذ عام 2008، بـ “الفاجعة” بالنسبة له ولأسرته وخاصة أن القرار تزامن مع تقديم ابنته التي تبلغ من العمر 14 عاماً لامتحانات الشهادة الإعدادية.
وسارع الرجل إلى نقل عائلته إلى بيت أهل زوجته في حي المعادي حتى لا يأثر ذلك على مستوى التركيز والحفظ لدى ابنته وخسارة سنة من عمرها الدراسي.
يقول “كزارة” إن “القوانين المتبعة لدى مجلس المدينة والحكومة لا تلحق بالمواطن السوري إلا الضرر”، وخاصة أنه لم يتم إعطائه أي وعود بتعويضات مالية أو مسكن مقابل منزله، حتى الآن.
ويبدو شراء منزل آخر عملية “مستحيلة” للرجل الذي يعمل موظفاً لدى مديرية الأقطان بحلب براتب 92 ألف ليرة سورية شهرياً، “وهو مبلغ لا يكفيني أربعة أيام بسبب ارتفاع أسعار المواد بشكل غير منطقي”.
ولا يدري رب الأسرة أيضاً كيف سيؤمن ثمن إيجار منزل آخر وخاصة أنه يعتمد في الدرجة الأولى على راتب ولده في تأمين مستلزمات عائلته.
وتتألف عائلة “كزارة” من زوجته وخمسة أولاد منهم ثلاثة شبان، الكبير يخدم في القوات الحكومية وهو منذ سبع سنوات احتفاظ في مدينة حمص وأما الأصغر حصل على الشهادة الثانوية السنة الماضية ويعمل في متجر لبيع المواد الغذائية (مول) وأما الفتيات فهن في سن الدارسة.
دمار لا زال حاضراً
وفي العشرين من آذار/ مارس الماضي، أخلى مجلس مدينة حلب خمسة أبنية من سكانها في حي الصالحين، بعد توصيف الحالة الفنيّة لها من قبل لجنة السّلامة العامة المختصّة بالكشف الحسّي عن أساسات الأبنية.
وحينها قال مصدر مسؤول من مجلس المدينة لنورث برس، فضل عدم نشر اسمه، إن “قرار الإخلاء جاء لحماية القاطنين من خطورة الانهيار، ومن واجب المجلس التدخل لمنع وقوع ضحايا”.
وأشار المسؤول إلى أن المجلس يدرس تقارير متابعة لجنة السلامة العامة من قبل نقابة المهندسين، وهناك دراسة لإخلاء الحي بشكل كُليّ، إذا استدعى الأمر ذلك وتبين بأنّ هناك خطورة على السكان، دون أن يتطرق إلى موضوع التعويضات.
والشهر الماضي، ترك عبد الرحمن أرناؤوط (39 عاماً)، وهو من سكان حي الفردوس منزله هو الآخر واتجه بعائلته إلى بلدة كفرة حمرة بريف حلب الشمالي للعيش هناك، ويجهل إن كان هناك تعويض لمنزل العائلة من قبل الحكومة.
وفي الثالث والعشرين من أيار/ مايو الماضي، استلم “أرناؤوط” مذكرة التبليغ من قسم شرطة الصالحين بضرورة إخلاء البناء الذي يضمه منزله خلال 48 ساعة.

ويتعجب الرجل الثلاثيني حول تركيز مجلس المدينة على إخلاء البيوت السكنية وهدم المنازل التي شيدت أثناء سيطرة فصائل المعارضة المسلحة على أنها مخالفة للقانون.
وتسببت العمليات العسكرية التي دارت بين القوات الحكومية وفصائل المعارضة المسلحة ما بين أعوام 2012 و2016، بتدمير العديد من الجوامع والمساجد والمدارس التي استخدمتها المعارضة مقرات لها، بحسب سكان.
كما تعرضت المنازل السكنية للقصف الشديد، ما دفع الكثير من السكان إلى الهجرة والنزوح.
ورغم مرور نحو ست سنوات على خروج فصائل المعارضة المسلحة، من الأحياء الشرقية، إلا أن مشاهد الدمار لا تزال تطغى على حارات تلك الأحياء، حيث أنقاض أبنية مهدمة وشوارع بحاجة لإعادة التعبيد وكهرباء غائبة عن بعضها.
“تدعيم المباني”
وتعليقاً على موضوع الإخلاء، قال أحمد رحموني، نائب رئيس مجلس المدينة لنورث برس، إنه “حماية الموطنين مسؤولية المحافظة ويسعى مجلس المدينة إلى تعويض المتضررين من تضرر انهيار الأبنية نتيجة وجود تصدعات في الأساسات مما يشكل خطراً على حياة أصحابها”.
لكن ووفقاً لأصحاب منازل تم إخلائها سواء في حي الفردوس أو الصالحين، فإن الحكومة لم تعوضهم حتى الآن بشيء.
وكان “أرناؤوط” قد فقد والده ووالدته وطفله إثر سقوط قذيفة هاون مجهولة المصدر على جدار منزله بداية آذار/ مارس عام 2013 كما تسببت بإصابة شقيقه وإصابة زوجته وزوجة شقيقه بالعديد من الشظايا كما يروي لنورث برس.
حينها، اضطر الرجل للخروج من منزله إلى كفر حمرة “خوفاً من القصف العشوائي الذي كان يستهدف البيوت السكنية”.
وعاد “أرناؤوط ” إلى منزله عام 2017 بعد سيطرة القوات الحكومة على الحي وقام بترميم المنزل الذي يتألف من ثلاث غرف ومنافع بكلفة 400 ألف ليرة سورية، بعد أن تعرض للقصف والسرقة، وسكن فيه مع زوجته وبناته الثلاثة.
ويقول الرجل الذي يعمل في بيع وشراء الخضراوات ضمن سوق الهال، “كأن خسارتي لأفراد عائلتي لم تكفِ حتى أخسر المنزل أيضاً”.
ويرى “أرناؤوط” أن الأجدر بالحكومة القيام بالأعمال المفيدة للسكان منها تدعيم المباني المأهولة لتخفيف معاناة ساكنيها، وترحيل الأنقاض من الأبنية المهدمة، بدل هدم المنازل.