القاهرة- محمد أبوزيد- NPA
خطاب الكراهية والحملات الرافضة للوجود السوري في بعض البلدان، لغط متواصل دائماً ما يثار من آن لآخر حولهم، وما حدث في مصر مؤخراً ليس إلا حلقة من حلقات ذلك المسلسل الممتد في لبنان والدول الأوربية.
يثار ضد السوريين كل ذلك اللغط, إلا أنهم أسهموا في إثراء اقتصاد الدول التي لجأوا إليها، وكانت لهم بصمات تكشفها الأرقام والدراسات التي تعكس دورهم في المجتمعات المحلية وكيف أنهم أسهموا في تحريك عجلة الاقتصاد بقوة في كثير من تلك البلدان، باعتراف الحكومات الرسمية.
وفي هذا السياق قال الخبير الاقتصادي السوري يونس الكريم لـ”نورث برس”، إن رغم تأثير الحرب على سوريا, و”هجرة أكثر من 13 مليون إنسان سوري، ما بين نازحين بالداخل ولاجئين بالخارج وفقاً للمنظمات الدولية المعنيّة”، إلا أن السوريين وبشهادة الأمم المتحدة ومنظماتها مثلوا “إضافة للحركة الاقتصادية في بعض تلك الدول، ولهم إسهامات وتأثيرات إيجابية مباشرة لا يمكن تجاهلها”.

الخبير الاقتصادي السوري يونس الكريم
إسهامات مؤثرة
شهدت مصر مؤخراً حملة هجوم ضد السوريين (تم احتوائها بعد ذلك)، وفي هذا السياق يقول يونس الكريم لـ”نورث برس” أن السوريون خلقوا في مصر حركة اقتصادية، وقد عبّر المصريون عن ذلك بحملة مضادة لحملة الهجوم تحت شعار: (السوريين منورين مصر)، والتي تعكس تقدير الشعب المصري للسوريين وإسهاماتهم، كما تعكس حجم الاندماج السوري في مصر التي تعاني من أزمات داخلية واقتصادية.
وأكد الكريم أن “السوريون لم يعتمدوا على الحكومة المصرية”، وقاموا بأنفسهم بخلق فرص عمل وتحريك النشاط الاقتصادي الداخلي، حتى أنهم وظّفوا مصريين لديهم.
وطبقاً للإحصاءات التي يرصدها الكريم نقلاً عن تقارير اقتصادية مختلفة، فإن “السوريين في مصر أسسوا /500/ معمل نسيج متقدم، ومعامل أغذية متقدمة جداً.. بدأوا نشاطهم من /100/ مليون دولار، والحديث الآن عن وصول هذا المبلغ بشكل إجمالي إلى /32/ مليار دولار”.
يذكر أن بلاغ المحامي المصري سمير صبري، الأخير، الذي طالب فيه التحقيق في تدفقات أموال السوريين، كان قد استند إلى أن إحصاءات اقتصادية ذكرت أن حجم استثمارات السوريين بلغت في مصر /23/ مليار دولار، لكن الكريم يقول إن الرقم يتجاوز ذلك ويصل إلى /32/ مليار.
ويشدد في الوقت ذاته على أن “السوريون اعتمدوا على أنفسهم في تدبير شؤون حياتهم اليومية، وتأمين مستقبل أبنائهم.. بل أسهموا في تشغيل أبناء البلد المضيف والإضافة للحركة الاقتصادية ايضا”.
العراق
أما بشأن اللاجئين السوريين في العراق يقول الكريم لـ”نورث برس” إن اللاجئين السوريين, ومع توزعهم في اقليم كردستان وبغداد بشكل أقل مع مقارنة بالشمال إلا أن تأثيرهم كبير, والحديث يدور عن أن قيمة الاستثمارات السورية تصل إلى /400/ مليون دولار، طبقاً لإحصاءات المنتدى الاقتصادي”.
ويشير الكريم إن “السوريون هم الأقل اعتماداً على السلات الغذائية، والأكثر نشاطاً اقتصادياً”.
خبرات سورية
تصل نسبة المطاعم السورية في العاصمة الأردنية عمان إلى(%20), حسب الحكومة الأردنية، والتي قالت بأن السوريين “أضافوا للحركة السياحية في عمان الكثير من الخبرات التي كان الأردن يفتقدها”.
ويمكن هنا الإشارة إلى دراسة سابقة أجراها الخبير المالي الأردني خالد الوزني، ونشرتها صحيفة الحياة اللندنية، خلصت إلى أن قيمة الأثر المادي للسوريين في الأردن تصل إلى “أربعة مليارات دولار سنوياً، وأن السوريين أسهموا بنسبة %20 في النمو الكلي بالأردن”.
ويتابع الخبير الاقتصادي السوري أن السوريون نقلوا تجاربهم للأردن ولبنان وكثير من دول اللجوء، وهذا أمر بالغ الأهمية، والكل يتناسى هذا الأمر، ونرى ما يحدث للسوريين في لبنان حالياً”.
وكانت قد أجريت دراسة بالجامعة الأمريكية في بيروت (في العام 2016) قد خلصت إلى أن السوريين يضخون في الاقتصاد اللبناني يومياً 1.4 مليون دولار، علاوة على استحداث /12/ وظيفة بالمجتمع اللبناني.
ولفت في السياق ذاته إلى أن ما يميز السوريين أيضاً أنهم “أقل عدائية تجاه المكونات الأخرى بالمجتمع المضيف مقارنة بجاليات أخرى، وهذا ما يظهر بقوة في المجتمعات الأوربية”.
تركيا
يقول المنتدى الاقتصادي السوري الذي يُعنى بتنمية مبادرات الأعمال بين أفراد الجالية السورية، أنه تم تسجيل أكثر من /6500/ شركة أنشأها أو ساهم في تأسيسها سوريون على الأراضي التركية منذ 2011، وإن هذا العدد يتجاوز العشرة آلاف إذا تم احتساب القطاع غير الرسمي، ويوجد أكثر من /1250/ شركة سورية مسجلة لدى غرفة التجارة والصناعة في غازي عينتاب فقط.
وأشار المنتدى إلى أن السوريين استثمروا أكثر من /360/ مليون دولار في تركيا، من خلال مساهمتهم في الاقتصاد خلال السنوات الست الماضية، وبلغ عدد الشركات التي تم تأسيسها بشراكة السوريين في عام /2016/إلى /1800/شركة، ونحو ألفي شركة العام الماضي.
وذكر التقرير أن مساهمة السوريين في الاقتصاد التركي في العام 2017 نحو / 90/مليون دولار. ويتصدر السوريون قوائم الأكثر استثماراً بتركيا منذ ثلاث سنوات والأكثر حصولاً على أذونات العمل، وتشكل شركات السوريين في تركيا /14/ في المائة من إجمالي رأس المال الأجنبي بين عامي 2011و 2017.
أوروبا
وبالحديث عن اللاجئين السوريين في أوروبا، يقول الكريم “إن ما تقوم به بعض الدول الأوربية بدفع من الأطراف اليمينية المتطرفة من تسليط الضوء على السوريين بشكل سلبي، واتهامهم بأنهم عامل مساعد في عدم الاستقرار، هي “اتهامات باطلة”، فالسوريون هم أقل الجاليات اللاجئة تطرفاً أو إرهاقاً في الدول المضيفة، وهذا ما تكشفه الإحصاءات الخاصة بمعدلات الجريمة مثلاً في تلك الدول”.
ويستطرد الكريم أن الشيء المُهم الذي يجب الانتباه إليه هو أن السوريين ذاقوا مرارة الحرب، وبالتالي لن يقبلوا بأن ينقلوا تلك التجربة أو التأثيرات السلبية معهم, ويحاولون تأمين حياتهم وحياة أبنائهم ويعملون بجد وإخلاص وتفانٍ.
واتهم الكريم أطراف يمينية لها مصلحة مع الحكومة السورية وروسيا تسعى إلى تشويه صورة السوريين, والمطالبة بطردهم من المجتمعات الأوربية, بخاصة ألمانيا, من أجل تحقيق مكاسب سياسية خاصة بالبدء في العملية السياسية.
ويلفت الخبير الاقتصادي السوري النظر إلى جانبٍ آخر من جوانب الإسهامات السورية، بقوله: “منظمات المجتمع المدني استفادت من اللجوء السوري.. 40% من المخصصات تذهب إلى الموظفين والعمالة، وأغلبهم عاملون من دول أجنبية.. السوريون قدموا خبرات مجانية لهم ولكثير من الدول والشعوب”.
يذكر أن السوريون يشكلون ما يقرب من ثلث إجمالي عدد اللاجئين في العالم ، وتستضيف تركيا نسبة 63.4 % منهم وهو ما يقارب الأربعة ملايين لاجئ وفقا لإحصاءات الأمم المتحدة.