نيران الحرائق وأسعار الحصاد توقع مزارعي شمال وشرقي سوريا في خيارات صعبة

سري كانييه – حسن عبدالله – NPA
ضربة بعد أخرى يتلقاها مزارعو محصولي القمح والشعير في شمال وشرقي سوريا، فبعد قرار التسعيرة التي أصدرتها الإدارة الذاتية “المخيبة لآمال المزارعين” على حد قولهم, جاءت النيران التي التهمت مساحات كبيرة تقدر بعشرات آلاف الهكتارات في بعض المناطق،  فيما يبقى عدم توفر الحصادات، في ظل تزايد  خطر النيران على المحاصيل، كابوساً يداهم يوميات الفلاحين والمزارعين.
ووقع المزارعون بين  خيارين صعبين، فإما نيران تلتهم محاصيلهم، أو التعرض لاستغلال مالكي الحصادات لهم.
وأدى تأخر حصاد المحصول لانخفاض الإنتاج إلى النصف بحسب المزارعين بسبب جفاف المحصول الذي أدى لتساقط الحبات من السنابل، أو ما يسمى بـ “انطواء سيقان النباتات بسبب الرياح” والتي تؤدي لانبساط المحصول ما يصعب عملية الحصاد.
يقول عبد الرحيم شيخموس من مزارعي قرية الصالحية /20/ كلم شرقي سري كانييه/ رأس العين شمال شرقي سوريا “لدي 200// دونماً قابل للحصاد منذ أكثر من شهر ونصف الشهر، ومنذ ذلك الحين وأنا ابحث عن حصادة لحصد محصولي دون جدوى”.
ويردف “أرضي محاذية لطريق عام وهي بذلك عرضة للنيران في أية لحظة” مشيراً إلى ” تأخر الحصاد يؤثر على إنتاج المحصول، فالجفاف ويباس النبات يؤدي لتساقط السنابل، ما يتسبب بفقدان كمية كبيرة من الإنتاج”.
وتحدث كذلك عن تراجع الإنتاج في الأراضي الزراعية التي تأخر حصادها إلى النصف وانخفض من /25 – 35/ كيساً للهكتار الواحد إلى /15/ كيس بسبب الحرارة وتلف المحصول
تحكم بالتسعيرة والادارة تتحمل المسؤولية
وعن استغلال أصحاب الحصادات اشتكى شيخموس لـ”نورث برس” حول طلبهم لمبلغ /3/ آلاف ليرة سورية مقابل حصاد الدونم الواحد رغم تحديد سعر الحصاد من قبل الإدارة الذاتية بـ /1500/ ليرة سورية  محملاً الإدارة الذاتية مسؤولية  خسارة محصوله، “لعدم قدرتها على ضبط أصحاب الحصادات وفرض تطبيق قراراتها عليهم”. 
المعاناة ذاتها يعايشها المزارع محمد الحسين (55 عاما)، من  قرية الكرن /45/ كم جنوب سري كانيه / رأس العين، إذ يقول ” دفعنا /2500/ ليرة سورية لصاحب الحصادة  مقابل حصاد كل دونم، رغم أنها ارض بعل وكان ينبغي أن يأخذ /1500/عن الدونم، لكننا اضطررنا لذلك خوفاً من الحرائق”.
فيما أبدى مصطفى الحاجز مزارع من قرية العريشة بغربي تل تمر استياءه من “السعر المخيب للامل” الذي فرضته الإدارة الذاتية لمحصول هذا الموسم، مضيفاً أنها رغم ذلك “لم تلزم أصحاب الحصادات بقرار تسعير الحصاد ولا بالعمل في مناطقهم”.
ويبرر خلف النهر، الرئيس المشارك لمجلس الغرا وجبل كزوان, عدم قدرتهم على إلزام أصحاب الحصادات بالتسعيرة المحددة من قبل الإدارة معزياً السبب إلى “لهفة الناس لحصاد محاصيلهم وتسابقهم لذلك”.
وأضاف بأنهم حين أرادوا قطع مادة المازوت عن الحصادات لإلزامهم بالتسعيرة المحددة من قبل الإدارة، تدخل السكان وطلبوا أن يسمحوا لهم بحصاد محاصيلهم بالتسعيرة التي يريدها مالكو الحصادات، لكون المزارعين يرون أن أي تأخير للحصاد “مغامرة” تعرض الإنتاج بالكامل لخطر النيران.
وأردف أن ذلك أدى لرفع تسعيرة الحصاد من 5% إلى 11% من المحصول، ومن /1500/ ليرة سورية إلى /2500/ للدونم الواحد. “الناس أرادوا أن يحصدوا فخضعنا لطلب المزارعين لكن ذلك دفع أصحاب الحصادات لزيادة استغلالهم”.
خياران أحلاهما مرّ
يتحدث عبد الرحمن الناصر من قرية تل العريشة بغربي تل تمر عن تسبب تأخر الحصاد وترك أصحاب الحصادات للمنطقة وانتقالهم لمناطق أخرى, باندلاع نيران في مساحات واسعة من المحاصيل وتلف أخرى.
 
يقول الناصر “منذ أكثر من /15/ يوم وأنا ابحث في المنطقة عن حصادة رغم وجود /15/ حصادة في القرى القريبة من قريتي، إل أن أصحابها نقلوا حصاداتهم للمناطق الجنوبية من الحسكة طمعاً بإنتاج تلك المنطقة والمساحات الواسعة والتسعيرة الكيفية هناك”.
مضيفاً ” بقي محصولنا هنا عرضة للنيران والتلف ونبقى متيقظين خشية اندلاع نيران في محاصيلنا، وأصحاب الحصادات الآن يخيروننا بين خيارين أحلاهما مرّ. فإما أن نحصد بأسعار مضاعفة أو تترك بدون حصاد عرضة للحرائق.”
ورغم الخسائر الناتجة عن تأخر الحصاد فإن عودة بعض الحصادات إلى المنطقة أعطى بعض الأمل للمزارعين، إلا أن مزارعين اشتكوا مجدداً امتناع الحصادات عن حصد محصول الأراضي “السقي” متذرعين بصعوبة عمل الحصادات فيها نتيجة تخطيطها للري سابقاً. 
فيما تذرع أصحاب الحصادات بأن حصاد المحصول السقي يأخذ وقت أطول من البعل؛ لأن الأرض تكون مخططة للسقاية، ويجب تجهيز الحصادة بجرافات حتى تتمكن من العمل ضمن الأرض الوعرة.
 
وأجاب طاهر حاج أمين، صاحب حصادة من قرية خربة الدبس بريف سري كانييه/رأس العين عن استفسار قدومه للمنطقة التزاماً بقرارات الإدارة الذاتية، قائلاً: “لم اسمع بهذه القرارات حتى، ولم يلزمني أحد لكنني أنهيت المساحات التي اتفقت مع أصحابها جنوب جبل عبد العزيز وعدت لحصاد المحصول الخاص بي.”
فيما أكد عبد شيخو صاحب حصادة أخرى أنه “لا يمكن تطبيق قرار تسعيرة الحصاد لأن ذلك يكون حسب وضع الحقل فمثلا هناك أراضي يصعب حصادها بسبب كثافة الأعشاب أو وعورة الحقل”.
 
أسباب خلف رفع تسعيرة الحصاد
ولا يبرئ شيخو أصحاب الحصادات من الاستغلال، إذ يرى أن سبب عدم التزام أصحاب الحصادات بقرارات الإدارة،  يعود أيضاً لوفرة المحصول وكثرة الخيارات واختلاف وضع المحصول من قطعة أرض لأخرى، مؤكداً أن “بعضهم ينتهز الظروف وخوف الناس من احتراق المحاصيل فيفرضون أسعار عالية جداً مقابل الحصاد.”
ولخص شيخو الأسباب الأخرى بـ “ارتفاع الأتعاب المدفوعة للسائقين من/150/ ألف في العام الماضي إلى ما بين خمسمائة ألف ومليون ليرة سورية، اي ما يعادل من ألف إلى ألفي دولار أمريكي” إضافة لـ “المقابل المدفوع للعتالين من/ 25/ إلى /100/ ليرة سورية للكيس الواحد، وزيادة سعر قطع التبديل والصيانة “.
ويضيف خليل السمعو أسباب ثانية على رفع الأسعار موجزاً إياها بـ “صعوبة تأمين العمال والسائقين لخوف الشباب من التجنيد الاجباري” وأكد أن الشرطة العسكرية تداهم الحصادات وتلحق العمال المطلوبين للخدمة الإجبارية في واجب الدفاع الذاتي.
وبين نيران التسعيرة ونيران تحكم أصحاب الحصادات التي لا تبقِ ولا تذر شيئاً من المحصول، يعتقد المزارعون أنه قضي على أملهم بمحصول وفير وسعر جيد يعوض خسائرهم.