سكان في دمشق: أزمة جوازات السفر مستمرة رغم رفع رسومها

دمشق – نورث برس

تقدم محمود خليل (50 عاماً) وهو اسم مستعار ويسكن في حي الميدان جنوب دمشق، بطلب التسجيل على جواز سفر سريع له ولزوجته منذ أكثر من أربعة أشهر، بقصد اللحاق بأبنائهم الثلاثة المستقرين بألمانيا، ولكن إلى الآن لم يحصلا عليه.

ويقول “خليل” وهو موظف سابق في إحدى الدوائر الحكومية، “رغم رفع الرسوم من مئة ألف إلى ثلاثمئة ألف ليرة سورية، لا زال الحصول على الجواز أو تجديده صعب المنال”.

والثلاثاء الماضي، رفعت وزارة الداخلية في الحكومة السورية، رسوم الحصول على جواز السفر الفوري، بنسبة 200 في المئة.

وقالت الوزارة في تعميم نشرته عبر صفحتها في فيس بوك، “إنه “يمكن الحصول على جواز سفر فوري بغض النظر عن حجز الدور على المنصة الإلكترونية الخاصة بالجوازات مقابل مبلغ مالي قدره 300 ألف ليرة سورية”.

وأضافت: “يُسلّم جواز السفر لصاحب العلاقة في اليوم نفسه، وذلك حرصاً على تلبية رغبة المواطنين في الحصول الفوري على خدمة جواز السفر”.

“أزمة مفتعلة”

ويعتقد خليل أن أسباب رفع الرسوم وأزمة الجوازات قد تكون مفتعلة. “على ما يبدو أن وضع كل هذه الصعوبات والرسومات العالية والشروط التعجيزية، هو إما للحد من الهجرة، أو لتبرير رفع الرسوم بهدف المزيد من الكسب المالي”.

ويضيف: “إذا كان السبب الأول هو الهدف، أي تقييد حركتنا ومنعنا من الهجرة أو بالأحرى إجبارنا على البقاء في سوريا، فنحن لا نريد البقاء، والسفر حق لأي شخص، وخاصة في حال كانت حكومته لا توفر له أدنى مقومات الحياة”.

ويزيد على ذلك، “أما في حال كان السبب الثاني هو هدف الحكومة، فأنا مستعد لدفع الملايين بدل من الثلاثمئة ألف مقابل الحصول على جواز سفر، فقط أريد أن أرحل من بلد انعدم فيه الخير والأمان”.

وبحسب الرجل فإنه في العام الماضي، حاول استخراج جواز سفر له ولزوجته، إلا أنه وقع في فخ السماسرة الذين “نصبوا عليه” بخمسمئة ألف ليرة سورية.

“أردت أن أجنّب نفسي وزوجتي متاعب الحصول على الجواز، لذا استعنت بسمسار إلا أنه غدر بي وهرب”.

ويحمل “خليل” الحكومة مسؤولية الغلاء والفساد، “بسبب ضعف الرقابة الحكومية على مؤسساتها، فالسماسرة وتجار الحرب والأزمات يقيدوننا من كل جهة، التفكير بمجرد البقاء هنا، بات يرهقني نفسياً وجسدياً”.

ووصلت كلفة استخراج جواز السفر العادي داخل القطر إلى 60 ألف ليرة سورية بعد أن كان 15 ألف ليرة سورية ويصدر خلال شهر، في حين وصل المستعجل إلى 300 ألف بعد أن كان مئة ألف ليرة سورية ويصدر خلال 24 ساعة.

أما بالنسبة لإصداره للمقيمين خارج القطر، وصل رسم تكلفة العادي إلى 800 دولار، والمستعجل إلى 1300 دولار.

“حجوزات غير منطقية”

وعلى عكس السابق، وبضحكة مليئة بالطاقة الإيجابية، تقول الشابة العشرينية هيام رياض (24 عاماً)، وهو اسم مستعار لطالبة من القامشلي، “حصلت على دور بالمنصة الخاصة بحجوزات جواز السفر في آذار/ مارس عام 2023، مع العلم أن الوقت المقدر للحصول على دور يزيد عن متوسط عمر المواطن”.

منذ أكثر من ثلاثة أشهر، تحاول “رياض”، التي تريد اللحاق بخطيبها المستقر بألمانيا بعد أن استكملت أوراق لم شملها، الحصول على دور في المنصة الخاصة بالحجوزات بفرع الهجرة والجوزات بدمشق.

وفي مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، أطلقت وزارة الداخلية منظومة حجز دور للحصول على جواز سفر عبر موقعها الإلكتروني.

وتستدل الطالبة التي تدرس اختصاص هندسة مدنية بجامعة دمشق بقصة فكاهية أخرى مشابهة لقصة تأخر جوازات السفر، “عندما كنت في الثانية من عمري، سجل أبي طلب الحصول على الهاتف الأرضي”.

وتضيف: “كبرت وأنا اسمع والدي يقول قريباً سنحظى بهاتف، ولم نحصل عليه إلى أن أصبحت طالبة في الجامعة، ولم نستخدمه بسبب التطور التكنولوجي ومعاصرة الهواتف الذكية”.

وبتهكم، “لقد حصلت على حجز متأخر، لدرجة أنه سيفوتني موعد مقابلة لم الشمل، عام على الانتظار، إنها طريقة حضارية لم يسبقنا إليها أحد، يقومون بتلبية طلباتنا شريطة أن نبقى أحياء إلى ذلك الوقت، الجوازات بيد الحكومة، والأعمار بيد الله”.

وحول رفع رسوم استصدار جوازات السفر تقول: “الحكومة ترفع كل أسعار خدماتها وسلعها التي تنتجها بتكاليف منخفضة، فرفع الرسوم فصل جديد من فصول النهب والسلب والتضييق على الناس”.

أما موسى صلاح (45 عاماً)، وهو اسم مستعار لأحد المتقدمين للحصول على جواز السفر منذ أكثر من شهرين، بعد أن حظي بفرصة عمل جيدة في الإمارات، باتت كل آماله معلقة بهذا الجواز.

ويقول: “حصلت على فرصة عمل هناك، بظروف وراتب أفضل، أريد تجديد جواز سفري حتى أتمكن من السفر، في حال لم أحصل عليه الآن فأنا مهدد بخسارة فرصة عمري، وهو العمل في الخارج”.

وطالت المنصة المخصصة لاستحصال واستحداث جوازات السفر الكثير من النقد على وسائل التواصل الاجتماعي، نتيجة استحالة حجز مواعيد على المنصة قبل ستة أشهر أو سنتين.

ويتساءل الأربعينين، وهو أب لخمسة أطفال ويقيم بحي ركن الدين غرب دمشق، “حصلت على دور بعد عام وثلاثة أشهر، هل من المعقول ما يحدث، علي أن أنتظر أكثر من عام لأجدد جوازي، هذه المنصة فُتحت للسماسرة فقط، الذين وصلت أرباحهم إلى الملايين خلال هذه الفترة”.

وبحسب السكان، فإن هناك صعوبة في الحصول على دور في المنصة، ما يدفعهم إلى اللجوء للسماسرة الذين يتقاضون مبالغ مادية كبيرة مقابل مساعدتهم.

ووفق موقع passportindex فقد حل جواز السفر السوري في المركز 198 عالمياً من أصل 199، في حين يصل الجواز السوري إلى 19% من دول العالم.

وحول أسباب الأزمة يقول “صلاح”: “حجة عدم توافر المواد من الورق والحبر وغيرها، حجج واهية وغير منطقية، الذي يستطيع استيراد السيارات والكماليات من الدول الأخرى، قادر على استيراد تلك”.

ويزيد على ذلك: “لن يصل صوتنا إلى حكومتنا، فقط صوت المحسوبيات والمال هو الواصل، فهي تسمع من تريد”.

ويؤيد “صلاح” قرار رفع الرسوم، “أنا أقبل برفع الرسوم شريطة أن تنتهي هذه الأزمة ونحصّل الجواز ونسافر في الوقت المحدد، أعلم جيداً أنها طريقة جديد لسرقة ما في جيوبنا، إلا أن السفر من هذا البلد يستحق أن يدفع المرء كل ما يملك”.

إعداد: ياسمين علي – تحرير: عدنان حمو