القاهرة- محمد أبوزيد- NPA
اضطرت الحرب الدائرة في سوريا الكثير من العائلات للنزوح والهجرة، وحيث أن الأطفال هم الأكثر تأثراً بالظروف التي تمر بها أسرهم، فاختلاف البيئة والمكان والأصدقاء ومحاولة الاندماج في المجتمعات الجديدة، صنع للطفة ملك دافعا لتقود بعمر صغير وبمهارة كبيرة قطار حياتها بريشتها التي استطاعت من خلالها أن تلون مخلفات الحرب بألوان الطبيعة.
هكذا بدأت قصتها:
“أمضي ساعات في رسمة واحدة، وأحياناً يوماً كاملاً أمضيه في تركيز وإمعان، إن لم تعجبني الرسمة في الأخير أمزقها وأرسم غيرها حتى تخرج في شكلها النهائي وأنا راضية عنها، أعشق رسم الطبيعة، الحيوانات والأشجار والأزهار والسماء”.. تتحدث الطفلة السورية ملك ربيع لـ”نورث برس” التي لم يتجاوز عمرها الـ 13 عاماً، عن موهبة الرسم التي اكتسبتها في سوريا ثم أصقلتها بعد ذلك في مصر بعدما حرص أهلها وأساتذتها في المدرسة والمركز التعليمي وحتى أقاربها على تشجيعها ودعمها لتنمية تلك الموهبة.
الطفلة السورية التي جاءت إلى مصر قبل ست سنوات برفقة أسرتها هرباً من الحرب الدائرة في بلادها، وجدت في الرسم ضالتها، فعكفت على تجسيد المناظر الطبيعية على الورق، هرباً من خلالها من شبح الحرب الذي لا يزال يراودها. تقول إنها تُصر على رسم الطبيعة الجميلة، تلك الطبيعة التي رأتها في سوريا في سنواتها الأولى قبل الخروج، لا مشاهد الدمار والخراب التي تراها الآن عبر وسائل الإعلام المختلفة.
الرسم والموسيقى
الإدارية بأحد المراكز السورية المختصة بتعليم أطفال اللاجئين السوريين، نورا علي، تؤكد لـ”نورث برس” بأن “الرسم والموسيقى يشكلان ركناً رئيسياً من أركان التأهيل النفسي للأطفال السوريين، ونحرص على أن يكون هناك اهتمام دائم بهذه الفنون وتشجيع الأطفال والتلاميذ داخل المركز عليها، ونقيم مسابقات من آن لآخر لتحفيزهم، إضافة إلى المسابقات الرياضية الأخرى”.
وطبقاً لنورا، فإن تلك النوعية من الأنشطة الفنية المتنوعة تمثل “دعماً نفسياً قوياً للأطفال، وتجعلهم يفجرون طاقاتهم المختلفة في نتاج فني مفيد وثري ومُعبر عما يدور بداخلهم، فهم يعبرون عن أحلامهم وطموحاتهم ورؤيتهم للحرب بالرسم، يخرجون ما في صدورهم على الورق معبرين عن ما بداخلهم.. وهو ما تحرص عليه المراكز السورية المختصة إلى جانب تقديمها المناهج الدراسية العادية للتلاميذ”.
وتعتبر الطفلة ملك الرسم بوابتها الرئيسية للتغلب على الواقع الذي لا يوحي بالكثير من التفاؤل، والتشبث بمستقبل تريده مزهراً كالورود التي ترسمها، وتقول إنها ترسم المستقبل الذي تحلم به، ولهذا لا تجد في رسوماتها الطفولية –ككثير من نظيراتها- رسومات معبرة عن الحرب، ذلك أن رسوماتها تعبر عن الطبيعة والمستقبل، عن حلم ملك بالعودة إلى سوريا التي فتّحت عينيها عليها بادئ الأمر.
وملك في الصف الثاني الإعدادي، تدرس بإحدى المدارس المصرية، وتدعمها إحدى المراكز التعليمية لصقل موهبتها ودعمها تعليمياً أيضاً من خلال مساعدتها في المناهج الدراسية التي تتلقاها رفقة آخرين من زملائها وزميلاتها من الأطفال والتلاميذ اللاجئين.
خطفت موهبتها أنظار مدرسيها ومحيطها، وبدأوا يشجعونها ويشجعون زملائها على الرسم، دعماً لموهبتهم وكذلك أيضاً وسيلة ضمن وسائل الدعم النفسي للأطفال اللاجئين.
دعم نفسي
الاستشارية النفسية المصرية الدكتورة إيمان البطران، تقول لـ”نورث برس”، إن مفهوم “العلاج بالرسم” كأحد المفاهيم الرئيسية في مسألة الدعم النفسي للأطفال من خلال الرسم، وهو جزء من مفهوم “العلاج بالفن” بصفة عامة، والذي يدعم الأطفال في مسألة التعبير عن مشاعرهم وما يدور بداخلهم ونظرتهم للأوضاع كافة، وهو “ضمن الأدوات المهمة للدعم النفسي للأطفال بصفة خاصة في البلدان التي تشهد أزمات أو حروب داخلية تضفي بآثارها المباشرة على الأطفال، وكذلك الأطفال اللاجئين الذين يعانون من مشكلات نفسية”.
وأضافت البطران “كما يمكن استخدام الرسم كوسيلة لدمج الأطفال اللاجئين في المجتمعات الجديدة التي يعيشون فيها، وذلك من خلال إشراكهم في مسابقات مع نظرائهم الأطفال من البلد المضيف، وتشجيعهم وتحفيزهم على رسم الطبيعة من حولهم والتعبير عنها، ومكافأة المميزين منهم”.
ووفقاً للبطران، فإن العلاج بالفن عموماً معروف منذ مئات السنين، وتعود جذوره إلى القرن الـ 18.
وثمة العديد من المشروعات التي تقدمها مؤسسات وجهات معنيّة بدعم الأطفال اللاجئين، تركز بصورة رئيسية على العلاج والدعم النفسي للأطفال، ويكون فيها “الرسم” حاضراً بقوة كأحد أبرز أدوات العلاج، مثل مشروع العلاج النفسي للأطفال السوريين في كل من سوريا ولبنان والأردن وتركيا الذي تقدمه وكالات ومؤسسات معنية والتي تعتمد في إحدى أدواتها على الرسم والتشكيل، والتي عرفت أهمية الفن كسبيل للعلاج النفسي للأطفال الذين تعاني بلادهم من ويلات الحرب والأزمات الداخلية.