أراضٍ لنازحين من ريف حماة في مزادات علنية لصالح الحكومة

حماة نورث برس

للعام الثالث على التوالي، لم يتمكن ياسر العمر (43 عاماً) وهو اسم مستعار لأحد نازحي مدينة مورك شمال حماة، ويقيم في مدينة إدلب، من استثمار أرضه بسبب مصادرتها من قبل قوات الحكومة السورية.

وسيطرت قوات الحكومة على ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، خلال عملياتها العسكرية التي بدأت في نيسان/ أبريل عام 2019، وانتهت مطلع العام 2020، وفقاً لتقارير صحفية.

وأعقب السيطرة، مصادرة أراضي النازحين وعرضها للاستثمار في مزادات علنية لصالح لجنة أمنية لنحو عامين دون الاستناد إلى أي نص قانوني، بحسب حقوقيين وسكان.

لتقوم مؤخراً بنقل الملف إلى محافظة حماة كجهة إدارية منظمة للمزادات والعمليات الإدارية الخاصة بعملية الاستيلاء على الأراضي، في محاولة لإضفاء شرعية قانونية لعملية الاستيلاء، بحسب حقوقيين.

محاولات باءت بالفشل

ويقول ” العمر” إن ابنته المقيمة في مدينة حماة، “حاولت استرجاع أرضه البالغ مساحتها 50 دونماً لاستثمارها، ولكنها فشلت خاصة بعد أن أعلنت الحكومة طرح الأرض للاستثمار شأن أراضي نازحين غيره”.

ويضيف أن ابنته قصدت مقر اللجنة الأمنية في المدينة للمطالبة بالأرض، “إلا أن اللجنة أخبرتها أن الملف بات بعهدة مجلس محافظة حماة”، ليخبرها المسؤول عن المزادات، أنه “لا يحق لها المطالبة بأرض والدها كونه يقيم في مناطق سيطرة الإرهابيين”.

وقبل سيطرة القوات الحكومية على ما تبقى من ريف حماة الشمالي، اعتمد فهد العيسى (50 عاماً) وهو من نازحي مدينة صوران شمالي حماة، على أحد أقاربه ليستثمر له أرضه.

وسبق ذلك أن فرَّ “العيسى” من صوران خوفاً من القصف والاشتباكات التي كانت تندلع في الريف الشمالي بين قوات الحكومة وفصائل المعارضة.

وبعد سيطرة الحكومة لم يتمكن الرجل من الاستفادة من أرضه خاصة أنها دخلت ضمن الأراضي المطروحة للاستثمار في مجلس المحافظة.

ومنتصف هذا الشهر، أعلن مجلس محافظة حماة عن استمرار قبول طلبات الاشتراك في المزادات العلنية من أجل استثمار الأراضي الزراعية في عدة مناطق بريفي حماة الشمالي والشرقي، مثل صوران وكفرزيتا ومورك واللطامنة والأربعين وكفرنبودة.

وبموجب الإعلان “يمنع أصحاب الأراضي وحتى أقاربهم من الدرجة الأولى من استثمارها بحجة أنهم مقيمين في مناطق سيطرة “التنظيمات الإرهابية” على حد وصفها.

ويقول “العيسى”، الذي يسكن حالياً في مخيم الكرامة قرب أطمة شمال إدلب، إنه حاول كثيراً دفع رشاوى لمسؤولين في الأجهزة الأمنية الحكومية من أجل استعادة أرضه، لكن كافة محاولاته باءت بالفشل”.

ولم يعد بإمكانه العودة إلى منزله في مدينة صوران، حيث أصبح أولاده في سن الشباب، وأغلبهم بات مطلوباً اليوم للخدمة الإلزامية للحكومة، بحسب “العيسى”.

وأشار إلى أن الذي استولى على الأرض والمنزل، هو مسؤول كبير في جهاز المخابرات في الحكومة السورية، “ما يعني أن كل الشكاوى التي سأتقدم بها ستكون بلا فائدة”.

“عملية نهب- جريمة حرب “

ويقول عبد الناصر حوشان وهو محام في إدلب، لنورث برس، إن” قوات النظام السوري كانت تدير عملية الاستيلاء على أراضي النازحين في أول عامين عبر اللجان الأمنية العسكرية”.

وهو ما تم توثيقه من قبل لجنة التحقيق الدولية والتي اعتبرته “عملية نهب- جريمة حرب”، يضيف “حوشان”.

ويقول المحامي: “عندما واجهت لجنة التحقيق الدولية النظام السوري بالتقارير الصادرة عنها حاول الأخير الالتفاف على التهمة من خلال قيامه في العام 2022 بعملية استيلاء قانونية من خلال المزادات العلنية، مستنداً بذلك على القانون 51 الذي يعرف بقانون العقود العامة”.

وقانون “العقود العامة” في الأصل “لا يجوز تطبيقه على الأملاك الخاصة، لأن المادة 15 من نص الدستور لا تجيز لأحد التعرض لتلك الأملاك إلا بشرط واحد وهو أن يكون عن طريق الاستملاك”.

وتعتبر المزادات، “تعدٍ صارخ” على أحكام القانون المدني الذي ينص على أن للمالك حق الانتفاع بثمار ملكه، “لذلك مصادرة الأرض وتأجيرها اليوم ونهب خيراتها يعتبر جريمة دستورية كونها تصدر عن السلطة”، بحسب “حوشان”.

وشدد على أنها تعتبر “جريمة جنائية لسرقة ثمار تلك الأراضي”، وكل ذلك جرائم يعاقب عليها القانون السوري.

وقال “حوشان” لا يمكن تطبيق القانون 51 من أجل الاستيلاء على الأملاك الخاصة نهائياً، “وما يقوم به النظام السوري اليوم لإضفاء الشرعية على عمليات الاستيلاء ما هو إلا محاولة يائسة”.

إعداد: بهاء النوباني- تحرير: قيس العبدالله