حول الانتخابات اللبنانية

محمد سيد رصاص


قبل شهرين من الانتخابات البرلمانية اللبنانية التي جرت في 15أيار 2022، قال أمين عام (حزب الله) السيد حسن نصر الله، إن “معركة الحزب في الانتخابات المقبلة هي معركة حلفائه.. نريد أن ينجح كل الحلفاء معنا لأن المعركة اليوم ليست ضد الحزب فقط بل لأخذ حصص من الحلفاء”، في إشارة ضمنية منه إلى أنه يملك الاطمئنان إلى الحجم البرلماني للثنائي الشيعي المؤلف من (حركة أمل) و(حزب الله)، وإلى أنه يشعر بالقلق من المصائر الانتخابية لحلفائه الآخرين من حيث احتمال فقدان الأكثرية البرلمانية التي كانت تصل إلى سبعين نائباً من أصل مائة وثمانية وعشرون نائباً والتي كان يملكها الثنائي الشيعي وحلفائه.
تحققت مخاوف السيد نصر الله في انتخابات 15 أيار، حيث فقد (التيار الوطني الحر) ومن كان معه في (تكتل لبنان القوي) اثنا عشر مقعداً من مقاعده التسعة والعشرون، وخسر (الحزب القومي السوري) مقاعده الثلاثة، وخسر النائب طلال أرسلان مقعده، وكذلك الحال إيلي الفرزلي نائب رئيس المجلس النيابي، وأيضاً النائب فيصل كرامي في طرابلس، فيما خسر (تيار المردة) مقعداً من مقاعده الثلاثة.
صحيح أن (أمل) و(حزب الله) قد أخذا كامل مقاعد الطائفة الشيعية السبعة والعشرين، وإن كان يلاحظ هنا أن (حزب الله) قد فاق لأول مرة مقاعد (حركة أمل)، ولكن السيد نصر الله قد فقد الأكثرية البرلمانية، التي كانت مظلة لسلاح (حزب الله)، وأيضاً التي كانت تجعل منه الرجل الأقوى في لبنان، ليس فقط من خلال السلاح، بل أيضاً سياسياً من حيث أن هناك رئيساً في قصر بعبدا منذ يوم 31 تشرين الأول 2016 لم يكن ليصل للرئاسة لولا (حزب الله) الذي عطل الانتخابات الرئاسية لعامين ونصف وهو ما أجبر سمير جعجع زعيم (حزب القوات اللبنانية) وسعد الحريري زعيم (تيار المستقبل) على القبول بميشال عون رئيساً.
هنا، لم يؤثر كثيراً اعتكاف الحريري وعدم اشتراك تياره بانتخابات برلمان 2022 في تقليل قوة المعارضين، حيث زادت (القوات) من مقاعدها بأربعة جديدة لتكون الكتلة المسيحية الأكبر كنواب (وكعدد أصوات متحصلة) حيث وصلت إلى تسعة عشر مقعداً، فيما حافظ (الحزب التقدمي الاشتراكي) بزعامة وليد جنبلاط على مقاعده التسعة، وزاد (حزب الكتائب) مقاعده الثلاثة بمقعدين إضافيين، وأصبح ميشال معوض زعيم (حركة الاستقلال) يوازي (تيار المردة) بزعامة سليمان فرنجية في زغرتا بمقعدين في المجلس، كما أن هناك كتلة جديدة تغييرية تصل إلى اثني عشر نائباً، قوامها يأتي من نشطاء في المجتمع المدني ومن قوى متعددة ومنها النائب الشيوعي الياس جرادة الذي هزم القومي السوري أسعد حردان في انتخابات المقعد الأرثودكسي بمرج عيون، تحمل أجندات ضد سلاح (حزب الله) وضد سياسات الأكثرية النيابية السابقة، وهو اتجاه يعضده نائب جديد في طرابلس والشمال هو اللواء أشرف ريفي الذي يحمل للمجلس سياسة صدامية مع (حزب الله) وسلاحه وهو ما سيشاركه الاتجاه نواب مثل ياسين ياسين وفؤاد مخزومي وغيرهما.
الآن، إذا حسبنا المجلس النيابي الجديد، فلن نجد أكثرية لدى أي من طرفي الاستقطاب اللبناني، وهذا وضع سيحكم السياسة اللبنانية في الأعوام الأربعة القادمة، حيث لا (حزب الله) وحلفائه يملكون الخمسة وستون نائباً ولا خصومهم في الطرف المقابل، مع أن من المرجح أن يكون جنبلاط بنوابه التسعة هو بيضة القبان، فهو يستطيع أن يجعل للسيد حسن نصر الله وحلفائه أكثرية جديدة، وهو ما لا يستطيعه الطرف الآخر المتناثر العدد والقوى، وإن كان خصوم (حزب الله) يستطيعون تعطيل عقد جلسة المجلس النيابي المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية التي تتطلب حضور ثلثي أعضاء المجلس، كما تفعل منذ أشهر القوى الموالية لطهران في العراق في تعطيلها لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية من خلال امتلاكها للثلث المعطل، مادامت أيضاً قد فقدت مثل السيد نصر الله أكثريتها النيابية السابقة في الانتخابات البرلمانية العراقية في تشرين الأول 2021، وما دام انتخاب رئيس الجمهورية العراقية هو الطريق لانتخاب حكومة جديدة من البرلمان وهي حكومة لأول مرة منذ انتخابات برلمان 2005 العراقي يمكن أن تكون غير موالية لإيران إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هناك ثالوثاً من (الكتلة الصدرية) و(الحزب الديمقراطي الكردستاني) والتكتل النيابي من السُنة بزعامة محمد الحلبوسي يستطيع تأمين الأكثرية البرلمانية.
في هذا الصدد، يلفت النظر، التراجع في المد الإقليمي الإيراني في العراق ولبنان من خلال التراجع في قوة حلفاء إيران بالبلدين، وهو ما يمكن تلمسه أيضاً في اليمن من خلال تشكيل “مجلس القيادة الرئاسي” في يوم 7نيسان الماضي الذي استطاع توحيد الموالين اليمنيين للرياض وأبوظبي لأول مرة بعد أن كانوا في تباعد وتخاصم حتى بالسلاح في وقت وضح فيه فشل الحوثيين الموالين لطهران في هجومهم على محافظة مأرب الذي كان يمكن لو نجح أن يقلب الموازين ضد خصومهم ويثبت سلطتهم في الشمال اليمني. من الأرجح، هنا، أن لا تكون سلسة عملية تطويع أجهزة السلطة ال