ديرك.. تأخر العلاج يعيق دمج أطفال التوحد بالمجتمع

ديرك- نورث برس

في مركز خاص بعلاج مرضى التوحد بريف مدينة ديرك، أقصى شمال شرقي سوريا، تخضع طفلةُ منال محمود (30 عاماً) وهو اسم مستعار لسيدة من بلدة كركي لكي(معبدة) بريف المدينة، للعلاج، وبتفاعلها مع مشرفة مختصة بالتوحد، تبين وجود تطور ملحوظ في نطقها وسلوكها.

“محمود” التي فضلت عدم نشر اسمها، أو حتى اسم طفلتها التي تعاني من توحد شديد لاعتبارات اجتماعية وخاصة من ناحية تنمر المحيط، قالت إن خضوع طفلتها للعلاج المبكر ساهم بشكل إيجابي في تحسن حالتها.

وأضافت: “تلقيها المعالجة في عمر صغير سهل علينا التعامل معها”.

ومنذ أن كان عمرها ثلاث سنوات ونصف، تخضع الطفلة التي تبلغ من العمر حالياً سبعة أعوام، لجلسات النطق بعد تجاوزها جلسات علاج التوحد في مركز “آمالنا” بكركي لكي (متخصص بعلاج وتأهيل وتدريب ذوي الاحتياجات الخاصة).

وقالت الأم إنها بدأت تلاحظ سلوك طفلتها في المنزل، حيث لم تكن تتواصل معها أو تنظر إليها، بالإضافة لتجنبها اللعب مع الأطفال وعدم الكلام طيلة اليوم.

وأشارت إلى أن وضع طفلتها تراجع بعد دخولها للمدرسة العام الماضي، وذلك بسبب انقطاعها عن العلاج لمدة عام، لذا لم تستطع أن تتأقلم مع التعليم بسبب صعوبة النطق لديها.

وبالرغم من تكاليف العلاج التي تصفها الأم بـ”الباهظة”، إلا أنها تسعى لاستكمال علاج طفلتها “وخاصة أنها بدأت تعتمد على نفسها في الأكل والنظافة الشخصية، بإضافة لاختيار ملابسها”.

وتبلغ تكلفة الجلسة الواحدة والتي مدتها ساعة في مركز “آمالنا” خمسة آلاف ليرة، حيث تخضع الطفلة لجلستين يومياً لمساعدتها في الالتحاق بالمدرسة العام المقبل، إضافة لتوفير نظام غذائي لها، وفقاً لما حددته مشرفة في المركز.

العلاج المبكر

وتُعرّف منظمة الصحة العالمية التوحد (autism) على أنه اضطراب في النمو اللغوي والسلوكي والانفعالي والتعبيري.

وتشير تقديرات المنظمة إلى أن شخصاً واحداً من كل 270 شخصاً يعاني من اضطرابات طيف التوحد. تمثل هذه التقديرات رقماً متوسطاً ويتفاوت معدل الانتشار بدرجة كبيرة بين الدراسات.

وبحسب المنظمة، فإن المصابين بالتوحد يحتاجون إلى خدمات صحية ميسرة لتلبية احتياجات الرعاية الصحية العامة على غرار باقي السكان، بما في ذلك خدمات تعزيز الصحة والوقاية وعلاج الأمراض الحادة والمزمنة.

غير أن معدلات عدم تلبية احتياجات الرعاية الصحية للمصابين بالتوحد أعلى من المعدلات المسجلة لدى عامة السكان، بحسب الصحة العالمية.

ويؤكد ذوو أطفالٍ مصابين بالتوحد وأخصائيون أن تلقي الأطفال للعلاج في مراحل مبكرة، يزيد من سرعة اندماجهم مع المحيط ويصلون لمرحلة أن يكونوا طبيعيين بشكل أسرع.

وفي مركز “هيفي” للاستشارات النفسية في كركي لكي، يشدد صباح محمد وهو مدير المركز على ضرورة معالجة الأطفال المصابين بالتوحد في المراحل الأولى للمرض.

ويقول إنه كلما خضع الطفل لجلسات المعالجة في مراحل مبكرة من المرض كان ذلك أنجع وأسرع ونتائجه أفضل من حيث اندماجهم بالمجتمع.

ولكن كلما تطور المرض ووصل لمرحلة صعبة كان العلاج أقرب للمستحيل، ويحتاج إلى وقت أكثر، بحسب “محمد”.

وتغيب في مناطق شمال شرقي سوريا بشكل خاص وسوريا عامة، حتى الآن، الإحصائيات عن عدد الأطفال المصابين بطيف التوحد.

 كما لا تتعدى الأرقام المتوفرة سوى تلك الحالات المسجلة في عدد قليل من المراكز والجمعيات المعنية بأطفال التوحد.

تأخر العلاج

وعلى خلاف سابقتها، لم تعارض أمينة قاسم (36 عاماً) وهي والدة الطفل أسامة عبدالله البالغ من العمر أربع سنوات ويعاني من مرض التوحد، من الظهور أمام عدسات الكاميرا والتحدث عن حالة طفلها.

وغالباً ما يتعرض الأطفال المصابون بالتوحد وذوهم للتنمر بسبب سلوكياتهم الخارجة عن المألوف، خاصة إذا ما كانوا من مجتمعات تنتشر فيها ثقافة الصور النمطية.

والطفل المصاب غالباً ما يحدث الضوضاء والصراخ المتكرر، فيما يعاني بعضهم فرط نشاط في الحركة أو عدم الاستجابة لنداءات والديهم.

تقول “قاسم”، إنها لاحظت على طفلها منذ أن كان في الثانية من العمر بعض الحركات أو التصرفات غير الطبيعة “ليس كباقي أشقائه، وتأخر فيما بعد في المشي والنطق وعدم الإدراك”.

وهذا ما دفع بالسيدة الثلاثينية لعرض “عبد الله”، على أخصائيين شخصوا بدورهم حالته، بمرض التوحد, وأكدوا ضرورة خضوعه لخطة علاجية في مراكز مختصة.

وتشير “قاسم” إلى تحسن حالة طفلها بعد التحاقه بمركز “هيفي” منذ سنة ونصف، “بات ينطق ويتجاوب معنا, ولكن مازال يحتاج لاستكمال خطة علاجه”.

وتختلف حالة الطفل محمد عن سابقيه، إذ تأخر في تلقي الجلسات العلاجية، ما أثر سلباً على عمره الدراسي حيث التحق مؤخراً بالصف الأول وهو في عمر عشرة أعوام.

وتقول رجاء حسنوهيوالدة “محمد”، إن طفلها بدأ يتلقى علاجه في مركز “هيفي” منذ سنتين.

وتشير إلى أن طفلها التحق بالمدرسة في عمر الست سنوات، ولكن بسبب حالته لم يستطع أن يكمل السنة الدراسية.

ولكن بعد خضوعه لعلاج لفترة استمرت أكثر من سنتين، التحق بالمدرسة مع شقيقه الأصغر منه, إذ كان من المفترض أن يداوم محمد هذا العام مع طلاب الصف الرابع “إلا أن مرض التوحد وتأخرنا  في علاجه جعله يتخلف عن المدرسة”.

وتلفت “حسن” النظر إلى تحسن حالة محمد، حيث بدأ يندمج مع محيطه ومن المفترض أن يتم تخريجه من المركز بعد شهر، بحسب الأم.

إعداد: دلال علي- تحرير: سوزدار محمد