معركة الصراع على غاز كردستان العراق

خورشيد دلي

عادت المعركة بين بغداد وأربيل على موارد الطاقة في إقليم كردستان إلى الواجهة من جديد، ولعل الجديد في هذه المعركة، هو تحول اللاعبين الإقليميين، أي إيران وتركيا، إلى لاعبين مشاركين في هذه المعركة المصيرية للإقليم، فصواريخ إيران على أربيل هي رسائل سياسية في الشكل، ولكنها في الجوهر تستهدف خرائط الطاقة، فيما تركيا التي وثقت علاقتها بالإقليم خلال العقدين الماضيين، وضعت عيونها على غاز ونفط  الإقليم، لاسيما في ظل تداعيات الأزمة الأوكرانية، ومشكلاتها مع إيران في مجال استيراد الغاز منها.

المعركة بين بغداد وأربيل على موارد الطاقة في الإقليم، لها علاقة بتراكم الخلافات بين الطرفين على العديد من القضايا الخلافية المزمنة أولاً، وثانياً باختلاف رؤية كل منهما للجوانب الدستورية والقانونية المتعلقة بقانون النفط والغاز الذي لم يصادق عليه البرلمان إلى الآن رغم مرور أكثر من عقد على تقديمه له.

فبغداد ترى في خطوة أربيل تصدير الغاز والنفط إلى الخارج، خرقاً للدستور، وسرقة للموارد الوطنية، فيما تؤكد الثانية أن خطواتها في هذا المجال دستورية وقانونية وحق طبيعي لها، وأن زمن إصدار القرارات من بغداد انتهى، ولعل هذا ما يفسر رفض الإقليم القاطع لقرار المحكمة الاتحادية العراقية العليا في آذار/ مارس الماضي، ذلك القرار الذي قضى بمخالفة القانون النفطي الذي تبناه الإقليم عام 2007 للدستور العراقي، وضرورة تسليم الإقليم إنتاجه للمركز، وحق المركز في مراجعة كافة العقود التي أبرمت في مجال النفط والغاز، وهو ما يعتبره الإقليم بمثابة حكم بالإعدام عليه، خاصة مع تزايد أهمية الطاقة في الحياة اليومية للدول والشعوب، وهذا أمر استراتيجي لمستقبل الإقليم ومصيره.

إذ يرى الإقليم أن سياسته في مجال الطاقة تتوافق مع المادة 112 التي تعطي للإقاليم المنتجة للنفط حق الإدارة والتصرف بالحقول المستقبلية، وانطلاقاً من هذه المادة فتح الإقليم خلال السنوات الماضية أبوابه أمام الشركات النفطية العالمية للاستثمار في كردستان، وأنجز عشرات العقود مع هذه الشركات، حيث تشير التقارير إلى أن إنتاجه الحالي من النفط بلغ قرابة 400 ألف برميل يومياً على أن يبلغ مليوني برميل خلال السنوات المقبلة مع إعداد البنية التحتية اللازمة، وأبعد من الجوانب الدستورية والقانونية، يتجاوز الخلاف بين بغداد وأربيل قضية الخلاف على موارد الطاقة إلى الخيار السياسي، وبهذا المعنى يمكن القول إن الخلاف النفطي هو جزء من خلاف أكبر يتعلق بطبيعة ومصير العلاقة بين الجانبين، وبالجهود المتعلقة بخيار الاستقلال الكردي وتوفير البنية التحتية لهذا الاستقلال رغم فشل الاستفتاء الذي جرى عام 2017 في تحقيق ذلك، إذ أن مثل هذا الخيار يشكل هدفاً أساسياً لقيادة الإقليم التي تقول إن ذلك حق ثابت للشعب الكردستاني في تقرير مصيره عند توفر الظروف المناسبة.                 

بغداد التي تتحجج بالمبررات القانونية والدستورية، تدرك جيداً عمق التأثير الإيراني على سياستها النفطية تجاه إقليم كردستان، وهي في ذلك تجد نفسها في محنة خيارات، إذ أنها ترى تصدير النفط والغاز إلى الخارج يجب أن يكون حصراً من خلال شركة النفط الوطنية (سومو)، وعليه تحركت الشركة مع الحديث عن تفاهمات بين أنقرة وأربيل لتصدير غاز الإقليم إلى تركيا، كما أعلن رئيس حكومة الإقليم، مسرور البارزاني بنفسه على هامش منتدى الطاقة في دبي في مارس / آذار الماضي، وقد تزامن حديث البارزاني مع حديث تركي عن إعداد البنية التحتية لخط أنابيب النقل في الداخل التركي إلى حدود الإقليم، لنقله إلى تركيا وتصديره إلى الخارج، وعليه تحركت وزارة النفط العراقية، ورفعت دعاوى قضائية ضد الإقليم، إلا أن ذلك لم يمنع الأخير من إعلان عزمه المضي في تصدير الغاز إلى تركيا، بل أن البازراني أكد أنه سيتم تصدير الغاز إلى دول أوروبية في ظل أزمة نقص الغاز في هذه الدول على خلفية الأزمة الأوكرانية، وهو ما قد يضع الإقليم أمام خطر جدي على مستويين: الأول: المستوى العراقي المتمثل في قوات الحشد الشعبي، تلك القوات التي سيطرت على كركوك التي تشكل مخزنا للنفط والغاز. الثاني: المستوى الإيراني، إذ واضح أن الاستهدافات الإيرانية الأخيرة للإقليم، هدفها منع خروج خرائط النفط والغاز التي يجري رسمها بالتفاهم بين أربيل وأنقرة إلى حيز الواقع، وكل الحجج الإيرانية الباقية من نوع استهداف مراكز للموساد الإسرائيلي هي للتغطية على هذا الأمر الحيوي، إذ أن إيران لا تريد للعراق أن يستغني عنها في مجالات النفط والغاز التي تجلب لها سنوياً قرابة مليار ونصف المليار دولار من بيع النفط والغاز للعراق. ولعل ما يزيد المشهد تعقيداً هو الانسداد السياسي في العراق بعد تعثر انتخاب رئيس جديد للبلاد، وبالتالي تعثر تشكيل حكومة جديدة، وفي كل ذلك تبدو بغداد أمام أمرين، إما القبول التدريجي بخطوات الإقليم في سياسته في مجال النفط والغاز أو الذهاب إلى صدام عسكري.

في زحمة كل ذلك، تلعب تركيا التي لها حسابات ومصالح سياسة لعبة خطرة، فهي من جهة تفاوض الإقليم علناً على استيراد الغاز والنفط منه، وفي الوقت نفسه تفاوض بغداد سراً على ذلك، وتناقش معها فتح معابر جديد تؤدي إلى محاصرة الإقليم والتقليل من أهميته، وهي في كل ذلك تضع نصب عينيها مسألة حيوية، وهي منع الإقليم من التمكين والاستقلال الاقتصادي، لطالما أنها ترى في ذلك طريقاً إلى الاستقلال الكردي، حيث ترى أن مثل هذا الاستقلال يتناقض مع الاستراتيجية التركية القديمة والثابتة ضد الكرد، وأينما كانوا، ومهما كانت طبيعة سياستهم في النهاية.

من دون شك معركة الطاقة بين بغداد وأربيل وضعت العلاقة بينهما في امتحان استراتيجي، وفي الوقت نفسه استنفرت إيران وأذرعها وسط تطلع تركي دفين للسيطرة على النفط والغاز في الإقليم، بما يعني أن الجميع باتوا أمام معركة تحمل طابع المواجهة القادمة، في ظل حيوية موارد الطاقة لكل طرف، ومشاريعه، وأجنداته.