ملامح مجهولة لمستقبل أطفال مخيماتٍ شمالي سوريا

القامشلي – نورث برس

تدرك عنود الصّالح (35 عاماً)، النّازحة في مخيم سري كانيه شرقي الحسكة، وهي تنظر بيأس إلى أطفالها الذين يتراكضون ويلعبون، أنّ مستقبلهم مجهول، فهم في مكانٍ لا يلبي متطلباتهم.

وتنحدر “الصّالح”، من مدينة سري كانيه وتحديداً قرية الشّركة، والتي دخلتها تركيا في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وهجر ما يقارب الـ300  ألف شخص منها ومن منطقة تل أبيض.

وتقول السّيدة لنورث برس، إنّ “ضحية الحروب الأولى والأخيرة هي الأطفال، الذين يعيشون تحت سقف خيمة تفتقر لأبسط مقومات الحياة”.

ويضم مخيما سري كانيه وواشوكاني في الحسكة نحو 29 ألف نازح من سري كانيه وريفها، ويبلغ عدد الأطفال في المخيمين حوالي 13 ألف طفل.

وترى “الصّالح” أنّ المستقبل المضمون لأطفالها يبدأ من العودة إلى مدينتهم، إذ أنهم كانوا يعيشون “حياة كريمة تتوفر فيها الخدمات الأساسية كالأدوية وغيرها”.

وتتألف عائلة السّيدة من سبعة أفراد جميعهم يسكنون في خيمة واحدة، لذا تتمنى “الصّالح” العودة لحياتهم الطّبيعية، و”التّخلص من الأوساخ المُتفشية ضمن المخيم، وإعادة إلحاق الأطفال بالصّفوف التّعليمية بشكل نظامي”.

ويتلقى في مخيمي سري كانيه وواشوكاني ما يقارب السبعة آلاف طالب/ة، التّعليم في ظروف صعبة وغير مهيأة للدراسة، حسب المجتمع التّربوي في مخيم سري كانيه.

ويبلغ عدد الأطفال في مخيم الهول 36279، ومخيم نوروز 3019، ومخيم سري كانيه 6801، ومخيم العريشة 9079، ومخيم واشوكاني 8225، ومخيم روج 1770، ومخيم أبو خشب 7148، حسب هيئة شؤون النّازحين في شمال وشرق سوريا.

“جو دراسة مفقود”

بينما يصف بدران أيوب (56 عاماً)، النّازح من سري كانيه هو وأفراد عائلته الـ 13، أوضاعهم بـ”السّيئة جداً”، فوضعه المادي مُتردي، لذا لا يستطيع أنّ يقدم لأطفاله أبسط مقومات الحياة.

ويعيش “أيوب” على أمل العودة لمدينته، “فالتّعليم هنا لا يتسنى للأطفال، فضلاً عن أن السّلال الغذائية شبه معدومة”.

ويلفت الخمسيني النّظر إلى أنه من غير المنطقي أنّ يبقوا مهجرين، بينما يتم توطين “غرباء” في منازلهم، مطالباً الدّول الفاعلة “بضرورة التدخل لإيقاف عمليات التغيير الديمغرافي”.

ومن جانبها، تتساءل زكية أيوب (43 عاماً)، وهي نازحة في مخيم سري كانيه، عن مصير أطفالها الأربعة، وما أنّ كانوا سيقضون حياتهم نازحين في المُخيمات.  

ويستطيع الكبار تحمل تقلبات العوامل الجوية، على عكس الصّغار، الذين يصابون بالكثير من الأمراض وخاصة في فصل الصّيف، حسب سكان في المخيم.

ويعجز محمد حاجو، النّاطق الرّسمي باسم المجمع التّربوي في مخيم سري كانيه، عن وصف أوضاع الأطفال في المخيمات، إذ يردهم شكاوى أن الأطفال لا ينجزون فروضهم، نظراً لأنهم يسكنون في خيام هي غرفة النّوم والمطبخ ومكان استقبال الضّيوف، وبالتّالي “جو الدّراسة مفقود”.

ومن الحسكة إلى ديرك وتحديداً في مخيم نوروز، تسكن نيرمين سلامة (34عاماً) النّازحة من سري كانيه، مع أطفالها السّبعة، في خيمة تُشبهها بـ”الشّارع”.

وتتشارك المخيمات بقرب الخيام من بعضها البعض، والاشتراك في المطابخ والحمامات، نقلاً عن نازحين في مخيم نوروز.

وتصف “سلامة” مدرسة المخيم بـ”الإسعافية”، التي لا يحصل فيها الطّفل على التّعليم المطلوب، لأنه يعيش “حالة من الفوضى” من كافة النّواحي.

وتحلم السّيدة أنّ تحصل بناتها الخمسة على شهادة جامعية، وتضيف وهي تحبس الدّموع في عينيها “أريد أنّ تعيش بناتي حياة طبيعية خارج إطار المخيم”.

أمراض متفشية

ويرى خليل سليمان، إداري فريق النّقطة الطّبية للهلال الأحمر الكردي في مخيم سري كانيه، أنّ انعدام الدَّعم من الجَّهات الدّولية، أسهم بقلة الخدمات التي يقدمها الفريق.

ويشير “سليمان” إلى انتشار عدة أمراض في المُخيم كـ”الجَّرب، اللاشمانيا، والالتهابات الجَّرثوميَّة والفيروسيَّة”، بسبب قلة الوعي الصَّحي وعدم الاهتمام بالنّظافة الشّخصيّة، وعدم وجود التّغذية الكافيَّة لتقوية جهاز المناعة.

ومن جانب آخر، يعاني ابن السّيدة عائشة إبراهيم (37 عاماً) وهي نّازحة من سري كانيه وتسكن في مخيم نوروز، من نوبات الرّبو وهو ما يزال في الخامسة من العمر.

ويصل عدد الأطفال الذين يعانون من أمراض مزمنة إلى 378 طفل، والمعاقين إلى 235 طفل، وفقاً لنديم عمر مسؤول العلاقات في مخيم نوروز.

وتقول الأم لسبع أطفال: “يزداد أمر ابنها سوءاً بسبب الأتربة في المخيم”، وتشير إلى أنّ أغلب أقرانه مرضى بالزكام والتّهاب القصبات، طوال الشّتاء نتيجة البرد وتسرب المياه إلى الخيام.  

ولا تتوفر جميع الأدوية اللازمة في مركز الهلال الأحمر الكردي، بينما تساعد الحمامات المُشتركة على انتقال العدوى بين الأطفال، حسب نازحون في مُخيم نوروز.

ويبلغ عدد الأطفال في مُخيم نوروز، حوالي 1429 من عمر السّنة إلى 5 سنوات، و1131 من عمر الـ6 إلى 12 سنة،  و553 من الـ13 إلى 17 سنة، حسب إدارة المُخيم.

أطفال يعملون

ولم تشتري هذا العام أمينة إبراهيم (31 عاماً) وهي من نازحي خط أبو راسين (زركان) شمالي الحسكة، ملابس العيد لأطفالها الخمسة، نظراً لسوء أوضاعها المعيشية وعدم تلقيها المساعدات من المنظمات المعنية.

ويعمل طفلها (12 عاماً) في ورشة للنجارة، لتلبية بعض مستلزمات أسرته الضّرورية، “هو صغير لحمل مواد البناء”، فضلاً عن عمل زوجها في أعمالٍ حرة تصل أجرته فيها إلى ألف ليرةٍ سورية.

ولا تكفي الأجور الزّهيدة التي يحصلون عليها، نظراً لارتفاع أسعار المُستلزمات الضّروريّة كالسّكر والشّاي وغيرها، بحسب النّازحة.

وتقول “إبراهيم” إنّ ثلاثة من أطفالها يرفضون الذّهاب إلى المدرسة لأنهم لا يملكون ملابس، ويخجلون من زملائهم الذين يرتدون ملابس مناسبة. 

وفي مخيم سردم جنوبي قرية تل سوسين بريف حلب الشّمالي، تشكو فاطمة خلو (27 عاماً) من ناحية جنديرس في عفرين، من أنّ أطفالها الأربعة، لا يملكون أقلاماً ودفاتر، في ظل غياب فرص العمل ودعم المنظمات الإغاثية.

إعداد: جيندار عبد القادر/ دلال علي/ فايا ميلاد – تحرير: آيلا ريّان