ما بعد السجن.. معتقلون بصيدنايا أفرج عنهم مؤخراً يواجهون واقعاً صادماً
دمشق- نورث برس
بعد أكثر من عقد أمضاه ناصر أحمد (46 عاماً)، وهو اسم مستعار لشاب أفرج عنه حديثاً بعفو أصدره الرئيس السوري نهاية نيسان/ أبريل الماضي، وجد زوجته متزوجة من ابن عمه، الأمر الذي زاد من معاناته وصعب من تأقلمه مع حياته الجديدة.
لم يكن المعتقل السابق في سجن صيدنايا والذي كان مداناً بتهمة الإرهاب واعتقل على إثرها في منطقة السيدة زينب عام 2011، يتوقع أن تتغير الحياة بهذا الشكل الكبير خلال السنوات التي قضاها خلف القضبان.
صُدم الرجل بعد خروجه من السجن، بخبر اقتران ابن عمه بزوجته وهجرتهما مع ولده ووالدته إلى ألمانيا عام 2016، بموافقة أهله الذين ظنوا بأنه ميت.
هذه الحادثة كانت “كالصاعقة وقعت علي، بل وكانت أشد ألماً من جميع سنوات العذاب التي قضيتها في السجن”.
لم يتوقع “أحمد” ما حدث، بل كان يظن أن العشرين سنة من زواجهما ستجعل زوجته تنتظره، ولو فقدت الأمل من رجوعه، “ستبقى وفية لجثتي التي لم ترى دفنها”.
لكن الخبر الذي جعله منهاراً تماماً، هو وفاة والده، “تخيل أن تتلقى جميع ما تخشاه طوال حياتك في يوم واحد، فقدت والدي وزوجتي وابني في يوم واحد”.
يضيف “أحمد” بينما يغلب الحزن الشديد على ملامحه، “أنا الآن في عالم آخر غير الذي تركته قبل دخولي السجن”.
- ندوبٌ جسدية لا تمحى وذكريات مؤلمة لمعتقل خرج من سجن صيدنايا مؤخراً
- ذوو معتقلين في سجن صيدنايا بدمشق: نحلم باللّقاء بعد القطيعة
- مرسوم العفو يزيد أوجاع أمهات وزوجات المعتقلين السوريين مع ساعات وأيام الانتظار
“بلا أمل”
وغالباً ما يتجنب الرجال البكاء أمام الناس، لكن “أحمد” لم يتمكن من ذلك وخاصة أنه حالياً “بلا سند ومنزل، والأسوأ أنني بلا أمل الآن”.
ويمسح دموعه بيديه ثم ينظر إلى يديه المبللتين، “هذا ما تبقى لي، وهذه الغرفة الصغيرة التي تفوح منها رائحة العفونة والتي منحني إياها خالي حتى لا ينتهي بي المطاف في الشارع”.
ويواجه مفرج عنهم شملهم العفو الرئاسي مؤخراً، تحديات مجتمعية، فالبعض منهم انصدم بعد الخروج من السجن بزواج زوجته من شقيقه أو أحد أقربائه والسفر خارج سوريا.
لكن جميعهم يتشاركون نفس المعاناة بفقدان عملهم السابق، وتضرر علاقاتهم الاجتماعية، وخاصة أن الأوضاع المعيشية قد تغيرت، وليس لديهم شبكات اجتماعية تساعدهم على الانخراط مجدداً والبحث عن عمل أو مسكن بسهولة.
وتشير هديل محمد (35 عاماً)، وهي معالجة نفسية في مركز متخصص بتقديم الخدمات النفسية للفئات المهمشة في المجتمع إلى أن تلك المصاعب لن يتمكن المفرج عنه من تخطيها ما لم يحصل على دعم مادي نفسي اجتماعي.
وتحذر المعالجة النفسية أن عدم حصول السجين على الدعم المطلوب، تزيد من احتمالية ارتكابه جرائم أخرى، وربما العودة إلى السجن، كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى التشرد، واستخدام المخدرات، أو حتى الانتحار.
“شهادة وفاة”
وفي قصة أخرى، تفاجأ المعتقل المفرج عنه حديثاً وديع محمود (35 عاماً)، وهو اسم مستعار لمفرج عنه، بأن شقيقه قد باع منزله وسيارته وقطعة أرض كان ورثها من والده وقبض الثمن وسافر مع عائلته إلى السويد، بعد أن سجله كمتوفي في سجل العائلة وأصدر شهادة وفاته بشكل رسمي، حتى يتمكن من التصرف بأمواله كونه الوريث الشرعي الأول بعده.
بتاريخ 22 نيسان/ أبريل 2014، اعتقل “محمود” مع ثلاثة من زملائه، عندما كان على رأس عمله، حيث كان يعمل كطباخ في مطعم شعبي آنذاك في منطقة باب مصلى، بتهمة تهريب الأسلحة للإرهابيين.
يقول الرجل الثلاثيني وهو من سكان ريف دمشق، “من الصعب أن تعيش تسع سنوات في السجن والوهم معاً، تظن وتفكر أن أقرب الناس إليك يبحثون عنك ويحاولون تخليصك مما أنت فيه، فجأة تكتشف أنك تعيش في وهم كبير”.
ويسرد قصته، “أخي دفنني وأنا حيّ حتى يظفر بمالي وممتلكاتي، لم تشفع لي سنوات بقائي في السجن ظلماً، لذا قام بتوثيق وفاتي في السجلات المدينة، أنا الآن بدون أوراق ثبوتية وضائع تماماً”.
ويضيف: “بدلاً أن أبدأ حياة جديدة، رفعتُ دعوى قضائية غيابية ضد أخي، حتى أتمكن من استخراج هوية جديدة وإثبات وجودي”.
وقبل سنوات سافر والدا “محمود” وشقيقه إلى السويد، وهو ما اضطره للسكن في منزل شقيقته المتزوجة بعد خروجه من السجن ولكنه لا يشعر بالراحة لأن المنزل صغير وبالكاد يسعهم، وفقاً لما يفيد به نورث برس.
“أتحسر على عمري”
لكن كسابقه يجد “محمود” صعوبة في الاندماج مع المجتمع الذي “يرفضني وينظر إلي نظرة استحقار”.
وعلى الرغم من أن مشكلة رياض حسن (34 عاماً)، وهو اسم مستعار لمعتقل سابق في سجن صيدنايا، تبدو أخف وطأة من سابقيه، إلا أنه يشاركهما مشاعر الحزن والخيبة والوحدة بعد خروجه، حيث وجد هو أيضاً زوجته تزوجت وسافرت إلى الدنمارك.
كان “حسن” وهو من سكان ريف دير الزور، يدرس ماجستير في كلية التربية بجامعة دمشق، عندما اعتقلته القوات الحكومية على حاجز تفتيش في الأول من أب/ أغسطس عام 2015، بتهمة التحريض ضد الحكم الحالي.
كان “حسن” على علاقة حب مع صديقة له تدرس معه في الاختصاص نفسه استمرت سبعة أعوام، قاما بعدها بتثبيت زواجهما في المحكمة على أن يقيما حفلة الزواج بعد شهر من ذلك لكن اعتقاله حال دون ذلك.
ويتحسر الرجل على عمره، “خسرت سبع سنوات من عمري ودراستي وخطيبتي، أشعر باليأس”.