أهداف أردوغان من استكمال التغيير الديمغرافي

خورشيد دلي

(أنتم المهاجرون ونحن الأنصار)… بهذه العبارة الدينية استقبل أردوغان اللاجئين السوريين، وفتح أبواب بلاده لهم مع بدء الأزمة السورية، مضت سنوات ليكتشف العالم حقيقة أهدافه، وكيفية استخدامه الجوانب الدينية والإنسانية والسياسية والأخلاقية في هذه القضية، التي هي أولاً وأخيراً قضية المسؤولية الأخلاقية والإنسانية عن الحرب الجارية في سوريا، تلك الحرب التي حصدت أرواح مئات آلاف السوريين، وشردت ونزحت الملايين من ديارهم، ودمرت عشرات المدن ومئات البلدات والقرى.

كيف حول أردوغان قضية هؤلاء اللاجئين إلى مجرد ورقة؟ وما هي  الجوانب التي استخدم فيها هذه الورقة؟ وما هي أهدافه من وراء ذلك؟ هذه الأسئلة وغيرها، تطرح بقوة مع عودة أردوغان إلى إشهار هذه الورقة، وإعلانه قبل أيام عن خطط لإسكان مليون ونصف المليون لاجئ في مناطق الشريط الحدودي داخل سوريا. قبل الحديث عن أهدافه من طرح هذه الخطط وأهدافها، لا بد من التطرق إلى مجالات استخدم أردوغان ورقة اللاجئين السوريين خلال السنوات الماضية، لعل أهمها:

أولا: ابتزاز أوروبا طوال السنوات الماضية من أجل الحصول على مزيد من الأموال، وقد كان له ذلك، بتوقيع اتفاق مع الاتحاد الأوروبي عام 2016، وقد وافق الأخير بموجبه على دفع نحو سبعة مليارات دولار له، فضلا عن تنازلات أوروبية له، تجسدت بالصمت عن آلة القمع التي مارسها حكم أردوغان ضد كل المناهضين له.

ثانياً: استخدام اللاجئين في قضية التغيير الديمغرافي في شمال سوريا وشرقها، ولعل نموذج عفرين خير دليل على ذلك، وهي جريمة تستهدف الكرد السوريين بشكل مباشر، فعفرين التي كان الكرد يشكلون قرابة 95 بالمئة من سكانها قبل احتلالها، تقول التقارير إنهم لم يعدوا يشكلون سوى نحو 25 بالمئة بسبب عمليات التغيير الديمغرافي الجارية فيها.

ثالثاً: استخدام اللاجئين كمرتزقة في حروبه، ولعل المثال الليبي خير دليل على ذلك، إذ جند أردوغان آلاف من هؤلاء اللاجئين في أذرعه الأمنية ولاسيما شركة (صادات) التي تحولت إلى أهم الأذرع الأمنية والعسكرية التركية في أفريقيا والقوقاز للمشاركة في الحروب، والقيام بعمليات قتل واغتيال هنا أو هناك.

رابعاً: استخدام اللاجئين في الداخل التركي كورقة انتخابية وسياسية، إذ أن تجنيس عشرات آلاف اللاجئين كان بهدف إنتخابي، فضلا عن استخدامهم سياسيا ضد المعارضة التركية في الداخل.

لقد أخرج أردوغان قضية اللاجئين السوريين من إطارها الإنساني والأخلاقي وحولها إلى قضية ابتزاز سياسي، وورقة في وجه الجميع، وفي الوقت نفسه تسبب بمعاناة كبيرة للاجئين أنفسهم، لاسيما مع زيادة وتيرة عمليات ترحيلهم إلى الداخل السوري دون وجود أي ضمانات أمنية للحفاظ على حياتهم، حيث فوضى الجماعات المسلحة، واقتتالها الدائم، وممارساتها المصنفة في عداد الجرائم، لكن الأخطر من كل ماسبق، هو خطط أردوغان الجديدة لإسكان مئات آلاف اللاجئين في مناطق الشريط الحدودي، إذ أن هذه الخطط تحتوي على مخاطر جمة لعل أهمها:

أولاً: اطلاق العنان لاستكمال التغيير الديمغرافي في هذه المناطق، ولا يجادل أحد أن الهدف الأساسي هنا، هو استهداف الوجود الكردي في هذه المناطق، من خلال إسكان لاجئين في أماكنه الأصلية، بما يعني ذلك محو هويته وثقافته ولغته مع الزمن.

ثانياً: الفصل البشري بين التواجد الكردي على جانبي الحدود، إذ أن منظر التلاحم الكردي على جانبي الحدود في أثناء هجوم داعش على كوباني عام 2014 أخرج الخطط التركية من دروج التاريخ، وهي خطط تقول التقارير إن أتاتورك هجر بموجبها أكثر من مليون كردي من مناطقهم في كردستان تركيا إلى المدن التركية الكبرى خلال عامي 1926 – 1927، بغية إفراغ كردستان من ثقلها السكاني، وتشتيت الكرد، وإضعاف هويتهم القومية، وحركتهم النضالية، ولعل أردوغان يعتقد من الأهمية تطبيق هذه العملية في مناطق شمال شرقي سوريا التي احتلها خلال السنوات الماضية.

ثالثاً: إن خطط أردوغان الجديدة تهدف إلى ربط المناطق الحدودية السورية بالداخل التركي بشكل نهائي، إذا ما علمنا أن المراكز السكانية التي يتم بناؤها تقع تحت سلطة مجموعات مسلحة تديرها السلطات التركية سواء الأمنية أو المدنية، وهو ما يعني بقاء هذه المناطق تحت سيطرة النفوذ التركي حتى لو تم التوصل إلى حل للأزمة السورية، كما جرى لشمال قبرص، فضلا عن أن تشكيل مناطق الشمال السوري على هذا النحو، يقسمها طائفيا، ويرشحها لصراعات متداخلة قوميا وطائفيا ودينيا.

رابعاً: يدرك أردوغان جيدا أن خططه لا علاقة لها بالعودة الطوعية لللاجئين السوريين إلى بلادهم، وفي الأصل مفهوم العودة يعني عودة كل لاجئ إلى مدينته أو بلدته أو قريته التي هجر منها، أو نزح عنها، وعليه إسكانه في منطقة غير منطقته الأصلية يشكل مخالفة لأسس عودة اللاجئين أو يمكن تسميته بحقوق العودة، فمثلا، كيف لابن دمشق أو ريفها  أو درعا.. أن يسكن في جرابلس أو عفرين؟ آلا يحس بأن ذلك يسلبه حقوقه وحرمانه من دياره وأملاكه وذكرياته؟.

خامساً: إن خطط أردوغان الجديدة لها صلة وثيقة بقرب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستحدد مصيره السياسي وحزبه، فهو يدرك جيدا أن هذه الورقة التي استخدمها في السابق من خلال رفع شعارات أخلاقية باتت عبئاً عليه، وتستغلها المعارضة ضده، لاسيما في ظل تراجع الأوضاع المعيشية، وزيادة معدلات الفقر والبطالة والتضخم، في وقت تحمل المعارضة وحتى بعض أوساط أردوغان مسؤولية ذلك للاجئين السوريين، ويحملون أردوغان المسؤولية المباشرة عن هذا الوضع. وعليه يريد أردوغان من خططه الجديدة القول إنه نجح في انتهاج سياسة جديدة، وهي سياسة حل قضية هؤلاء اللاجئين مع تحقيق أجندة سياسية وقومية لصالح تركيا، خاصة وأن هذه المستوطنات السكانية الجديدة تبنى بتمويل خارجي، فمعظمه قطري وإخواني تحت شعارات إنسانية، أو أوروبي وتحديدا ألماني بهدف وضع نهاية للجوء السوري إلى أوروبا من خلال إسكان اللاجئين في هذه المناطق، وهو ما يطرح السؤال عن الجهات الدولية والإقليمية المشاركة في المشروع التركي هذا، وما مسؤولية هذه الدول عن ما يجري في هذه المناطق من تغيير ديمغرافي، الذي هو جريمة بمثابة إبادة اجتماعية وثقافية لهوية السكان الأصليين.                    

ختاماً، لا أحد ضد حقوق اللاجئين السوريين في العودة إلى ديارهم، ولكن لا ينبغي أن يكون ذلك على حساب هوية شعب آخر، وإنما ينبغي أن يكون في إطار حل سياسي سلمي للأزمة السورية، ومن دون ذلك فهو استكمال للحرب، وفتح الباب أمام حروب جديدة، خاصة أنه لا ضمانات لأمن هؤلاء اللاجئين في ظل استمرار المقتلة السورية التي قد تكون أعنف فصولها المقبلة في المناطق التي تريد تركيا ترحيل اللاجئين إليها.