خبراء ومحللون: خطة تركية ذات أبعاد سياسية وتبعيات خطيرة في الشمال السوري

أربيل- نورث برس

تعتزم تركيا تنفيذ خطة ذات أبعاد سياسية وتبعيات “خطيرة” على الجغرافية والديمغرافية في مناطق الشمال السوري، وفقاً لخبراء ومحليين دوليين.

والأسبوع الفائت، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن أنه يتم التحضير لمشروع إعادة نحو نصف مليون من السوريين اللاجئين في تركيا المناطق التي يعتبرها “آمنة” في شمال سوريا، في إشارة منه إلى المناطق التي تسيطر عليها قواته مع فصائل موالية له من عفرين شمال غرب وصولاً إلى رأس العين شرقاً.

وفي حين تشير الإحصاءات الرسمية التركية إلى وجود نحو أربعة ملايين سوري لاجئ في تركيا، فإن جلهم ليسوا من السكان الأصليين للمناطق التي وضعتها الخطة التركية في مرماها، ما يعني أن تلك المناطق المستهدفة أضحت أمام مشروع تغيير ديموغرافي كبير.

وهذا ما شدد عليه الدكتور مدحت حماد، أستاذ الدراسات الإيرانية والخليجية بجامعة طنطا المصرية، وقال إن “هذه الخطوة التركية، تشكّل خطراً حقيقياً على التكوين الديموغرافي لسوريا خصوصاً في مناطق الشمال التي تسيطر عليها تركيا بالفعل”.

وأضاف حماد في حديث لنورث برس، أن الخطوة “تذكرنا بالمنهج الإيراني في العراق أثناء الغزو الأميركي في 2003، حيث قامت إيران بزرع كُتل سكانية في شرق وجنوب شرق العراق، هي التي تحولت بعد ذلك لقوات الحشد الشعبي”.

لكن المشكلة بالنسبة لسوريا “أكبر وأعقد وأكثر خطورة”، بحسب الباحث المصري، وذلك لأن سوريا تشهد أكثر من صراع  متمثل بـ”صراع مع  إسرائيل جنوباً، وآخر مع تركيا، فضلاً عن الحرب ضد داعش، والصراع الداخلي نفسه”.

مناطق بتكتلات سكانية

وقال “حماد” وهو أيضاً رئيس مركز الفارابي للدراسات والاستشارات والتدريب في مصر، إن “الأمر الأكثر خطورة والأكبر تهديداً هو أن تتمكن تركيا من إنشاء مناطق بتكتلات سكانية داخل سوريا”.

وأشار إلى أن تلك التكتلات ستكون موالية لتركيا من جهة، “بل وربما تكون خاضعة لسيطرة أعداد غير قليلة من الأتراك الذين سيتم زرعهم في هذه المناطق على غرار ما قامت به إيران في العراق عن طريق عناصرها العاملين في فيلق القدس”.

ولم تخف تركيا مراميها من التدخل المباشر في مناطق الشمال السوري بذريعة حماية أمنها القومي الذي يواجه بحسب اعتقادها تهديداً من قبل الكرد الذين وضعوا مع مكونات وتنظيمات متعددة الأعراق في المنطقة، حجر أساس مشروع  الإدارة الذاتية في شمال سوريا.

وتعتزم تركيا بناء جدار بشري عريض أسفل حدودها الجنوبية داخل الحدود السورية، وتخصص مبالغ طائلة لمشاريعها بشكل يتعارض مع حقيقة الديموغرافية الأصيلة، مما يشكل تهديداً كبيراً على مستقبل المنطقة، بحسب الأستاذ في التاريخ بجامعة بغداد الدكتور جواد البيضاني.

ويرى “البيضاني” وهو أيضاً رئيس المعهد العراقي للدراسات الكردية، أن عملية توطين السوريين وهم من هويات ومناطق سورية مختلفة، في منطقة ذات هوية معروفة ومحددة، هو هدف واضح بالنسبة  لتركيا ويراد منه إجراء تغيير ديموغرافي.

والأسبوع الفائت كشف وزير الداخلية التركي عن مخطط بناء نحو 250 ألف منزل في المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا وفصائل المعارضة السورية وهي سري كانيه وتل أبيض وجرابلس والباب بشمالي سوريا، وذلك “بهدف توفير العودة الطوعية لمليون سوري”.

وسيتم تمويل هذه المشاريع من قبل منظمات إغاثية دولية، وتستهدف اللاجئين السوريين الحاصلين على الإقامة المؤقتة في تركيا.

“خط دفاعي”

وقال “البيضاني” إن “معظم السوريين المتواجدين في تركيا هم موالون للقوى ذات النهج المتشدد وإلا لكانوا متواجدين بمقارهم وتنظيماتهم داخل المناطق السورية، وتحديداً في مناطق سيطرة قسد على سبيل المثال باعتبارها منطقة آمنة ومعارضة لنظام الأسد في نفس الوقت”.

وقصد “البيضاني” من شرح طبيعة اللاجئين الذين ستشملهم خطة الحكومة التركية ويكون لهم موطئ قدم في شمال سوريا، هو أنهم والفصائل الموالية لتركيا سيكونون بمثابة “خط دفاعي” على طول حدودها الجنوبية، ولطالما دعا أرودغان لتأسيسه.

وفي حين ترتفع أصوات القوميين الأتراك الرافضين لتواجد اللاجئين السوريين، ويؤثر ذلك سلباً على نفوذ أردوغان، بينما كان الأخير يستخدمهم ورقة ضد الغرب، أشار “البيضاني” إلى هبوط نسبة فعالية هذه الورقة ضد أوروبا وكذلك الولايات المتحدة نتيجة الحرب في أوكرانيا، حيث يصعب على أردوغان الضغط على الغرب في ظل محاور الصراع بين روسيا والغرب على منطقة القرم.

إلى ذلك، يؤكد “البيضاني” على أن المشروع التركي هو خدمة انتخابية لحزب أردوغان الذي يعاني من ضغوطات داخلية أيضاً.

ولم يَصدر من جانب حكومة دمشق مواقف فعلية رادعة للمشروع المعلن حتى الآن، فيعزو الباحث “حماد” ذلك إلى ضعف القدرات الاقتصادية لسوريا من جهة وغياب الدور والدعم العربيين لدمشق من جهة أخرى، “مما يزيد المشكلة خطورة على المستوى الاستراتيجي”.

وسلط “حماد” الضوء على ما هو أبعد من ذلك، وهو “ربط تلك المناطق والسكان المستوطنين بالاقتصاد التركي، بل ربما تتمكن تركيا بذلك من زعزعة الاستقرار الوطني للدولة السورية من خلال تكوين نوع من الحكم الذاتي في تلك المناطق السورية تكون خاضعة فعلياً للسلطات التركية”.

ولكنه يرى أن مثل هذه التطورات “قد تنعكس على طبيعة النظام السياسي السوري، فيجد نفسه مضطراً ومن أجل المحافظة على وحدة الأراضي السورية للقبول بنوع من تقاسم السلطة مع هذه الكُتَل السكانية التي سيُعاد توطينها في سوريا في إطار  المناطق الجديدة التي تخطط لها تركيا”.

وأَضاف: “وهو عين ما نراه مُطبقًا على أرض الواقع في العراق ولبنان”.

وهذا “المشروع الاستيطاني” أيضاً، بحسب الخبير العراقي جواد البيضاني، يوفر لتركيا مناطق تبادل اقتصادي مع سوريا تخفف عنها أزماتها الاقتصادية الداخلية، مثلما فعلت في إقليم كردستان العراق.

إعداد وتحرير: هوزان زبير