مرسوم العفو يزيد أوجاع أمهات وزوجات المعتقلين السوريين مع ساعات وأيام الانتظار
دمشق ـ نورث برس
لم تكف نوارة سعدون (61 عاماً)، وهي اسم مستعار لامرأة من سكان مدينة دير الزور، عن النظر لصورة ابنها وزوجها المعتقلين منذ عشر سنوات، حيث كان عمره حينها (16 عاماً) وهي تنتظر مع مئات العائلات القادمة من المحافظات المختلفة خروج ذويهم من المعتقلين في سجن صيدنايا.
واعتقل المعيلان من قبل القوات الحكوميّة وهما يرعيان الأغنام بتهمة الانتماء لــ”داعش”، دون دليل أو وثيقة تدينهما “ولم نعرف شيئاً عنها حتى اللحظة”.
تقول المرأة الستينيّة، “عشرُ سنوات مرَّت على اعتقال زوجي وابني، لم أذق خلالها طعم الراحة والنوم، لم أجد غير الهموم والحزن، أرى كوابيس، يُهيئ لي بأنهما يتعذبان ويصرخان ويطلبان مساعدتي لإنقاذهما”.
وتضيف المرأة الستينيّة: “في عام 2015، تأملتُ خيراً بعد أن أخبرني شخص خرج من سجن صيدنايا بأنه يعرفهما ولا يزالان على قيد الحياة، ولكنهما اعترفا بالانتماء إلى داعش تحت وطأة التعذيب والتهديد”.
وفي عام 2017 علمت السيدة المُسنة، بمقتل زوجها تحت التّعذيب وحكم على ابنها بالسجن المؤبد والأشغال الشاقة، بعد أن دفعت مليوني ليرة لشخص يعمل في استخبارات القوات الحكوميّة لمعرفة مصيرهما.
ومنذ الثلاثاء الماضي، تتجمع المئات من عائلات معتقلي سجن صيدنايا تحت جسر الرئيس وسط العاصمة دمشق، بعد أن أصدر الرئيس السوري، مرسوماً يقضي بمنح عفو عام عن الجرائم الإرهابية المرتكبة قبل تاريخ الثلاثين من نيسان/أبريل 2022 عدا التي أفضت إلى موت إنسان.
وفي وقت سابق من اليوم ذاته، قالت وزارة العدل في بيان إنَّه “تم خلال اليومين الماضيين إطلاق سراح مئات السجناء الموقوفين من مختلف المحافظات السورية”، على أن يصار إلى إطلاق جميع المشمولين بالعفو “تباعاً خلال الأيام المقبلة” في انتظار استكمال الإجراءات ولم تنشر الوزارة قوائم بأسماء أو أعداد من شملهم العفو”.
فيما دعت وزارة الداخلية في الحكومة السورية ذوو المعتقلين، بعدم الانتظار تحت جسر الرئيس أو في أي مكان آخر للقاء ذويهم، حيث لم تخصص الوزارة أي مكان محدد لتجمع المفرج عنهم ممن شملهم العفو.
ومنذ صدور العفو أعلنت الأجهزة الأمنية في دمشق إطلاق سراح 252 معتقلاً، فيما لا تزال عشرات العائلات تنتظر قدوم دفعات جديدة من المعتقلين، في أماكن مختلفة من دمشق، وعائلات أخرى تبحث عن أبناءها عبر نشر صورهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي على أمل معرفة مكانهم أو الحصول على أية معلومة حول مصيرهم.

شهيدان ومعتقل مريض
فقد اثنان من أبنائي ضمن قوات الحكومة حياتهما في بداية الأحداث، أما الثالث فأيقظته بيدي من النوم وجهزت له الفطور وأرسلته إلى شعبة التجنيد بعد أن وعدوني بأنه سيتم تسريحه، باعتباره أصبح وحيداً بعد شهادة أخويه، ولكنه ذهب ولم يعد حتى اللحظة، تروي سمية أحمد (65 عاماً)، تفاصيل حادثة اختفاء ابنها الوحيد.
وتضيف النازحة الفلسطينية، التي تسكن في مخيم اليرموك، عندما كان عمر ولدي ( 18 عاماً) التحق بالتجنيد الإلزامي والآن عمره 28 عاماً، إلا أنه وخلال تلك المدة “لم نسمع عنه أي خبر أو نعرف مكانه”.
تقول النازحة: “خلال هذه المدة الطويلة لم أتوقف عن البحث عنه في الأفرع الأمنية، حتى أخبرني شخصاً كان يعمل في فرع الخطيب العسكري، أن ابني معتقل في سجن صيدنايا بعد أن كُتب في حقه تقري كيدي من أحد زملائه”.
وتشير المرأة المُسنة، “حُرمت منه لسنوات طويلة، وبعد أن علمت بمكان اعتقاله التقيت به مرتين فقط خلال سجنه، أيقنت بأنه تعرض للتعذيب على أيدي السجانين، وهو يعاني من اضطرابات نفسية وأصيب بورمٍ دماغي سبب له صداعاً شديداً وآلاماً حادة”.
وتتوقع المرأة أن يخرج ابنها “شبه إنسان، ولكن أريده أن يرى النور قبل أن أموت، لم أرَ اسمه ضمن قوائم المشمولين بالعفو، ولكن رغم ذلك أنا هنا منذ يومين، بانتظار أن تحدث معجزة”.
أما نهلة سيف (35 عاماً)، وهو اسم مستعار لامرأة تسكن من محافظة القنيطرة، التقت بأخيها بعد خروجه من السجن، أمس الأربعاء، ولكنها لا تزال تنظر خبر إطلاق سراح زوجها.
“أخي طلع شبه جثة، بقايا جسد، مشتت وفاقد لكل شيء، ليست الذاكرة فقط، وكأنه من كوكب آخر، فرحتنا معطوبة وعيدنا حسرات، الله يجبر خاطر كل ناطر”.