مفرجٌ عنهم من صيدنايا ينتظرهم مصير مجهول وسط “تشكيكٍ بغاية العفو”

دمشق – نورث برس

خرج برهاب إلى ضوء الشمس؛ متورم الأقدام، ومصاباً بمرض ضغط الدم، فاقداً للذاكرة، بهذه الجمل المثقلة بدأ ياسين خلف (37 عاماً) وهو اسم مستعار لأحد المقربين من المعتقل خالد عباس، وصف حالة قريبه بعد خروجه من سجن صيدنايا بناء على العفو الذي صدر عن الرئيس السوري بشار الأسد.

والأحد الماضي، أصدر الأسد، عفواً عاماً عن مرتكبي الجرائم “الإرهابية” من السوريين قبل تاريخ الثلاثين من نيسان/ أبريل الماضي.

في الثاني عشر من كانون الثاني/ يناير عام 2012، اعتقل الرجل الذي بلغ من العمر (40 عاماً)، على حاجر للقوات الحكومية كانت تتمركز على جسر مدينة تلبيسة بمحافظة حمص.

وأفرج عن “عباس” الذي كان في التاسعة والعشرين من عمره حين اعتقل، بموجب العفو، بحسب ” خلف”.

ويضيف أن “عباس كان في طريقه للبحث عم لقمة العيش لأطفاله عندما تم اعتقاله على الحاجز، ووجهت له تهمة تمويل الإرهاب”.

ويقول “خلف”، بنبرة لم تخلو من الاستهزاء والحزن، “نعم لقد مول الإرهاب من بسطة الخضرة التي كان يعمل عليها”.

ويضيف: “شعورنا اليوم صعب أمام الواقع الذي واجهه فأسماء زوجته وأطفاله ليسوا هنا، بعد ثمانية سنوات من انتظاره تزوجت وسافرت مع أطفاله، والده استشهد بقصف للطيران”.

قصص المعتقلين داخل سجون الحكومة السورية، لم تنته، فبمقابل الذين خرجوا وشملهم العفو، لاتزال هناك أعداد كبيرة من المعتقلين والمفقودين لم يعرف مصيرهم حتى الآن، كحال المهندس والناشط الإعلامي محمود عوض مرعي الحريري (45عاماً).

ويقول ابن أخيه، لنورث برس، إن عمه اعتقل في الثاني من شباط/ فبراير عام 2012، بعد مداهمة القوات الحكومية لبلدة الجيزة بريف درعا الشرقي واعتقال عدد من السكان بينهم “مرعي الحريري”.

ولا تزال عائلة “مرعي الحريري”، المؤلفة من أم وأربعة بنات في انتظار عودته منذ أكثر من عشر سنوات.

ويشير إلى أنهم “يعيشون بقلوب لا تعرف الفرح، على أمل أن يخرج من المعتقل أو التأكد من أنه لا يزال على قيد الحياة أم لا”.

مصير معتقلي الرأي

وتقول المحامية نورا غازي الصفدي مديرة منظمة نوفوتوزون، ((Nophotozone، والمقيمة في باريس، إنها تعمل على ملف المعتقلين منذ ثمانية عشر عاماً.

وتضيف لنورث برس، “بما أن الجزء الأكبر من المعتقلين في سجن صيدنايا، محالين لمحاكم ميدانية، والمحاكم الميدانية استثنائية تستطيع أن لا تتقيد بالأصول فموضوع الالتزام بالعفو فيها راجع لسلطة المحكمة التقديرية”.

وأما المعتقلين في الأفرع الأمنية، ولم يحولوا إلى أي محكمة فيعود شملهم بالعفو “للفرع الأمني المسجونين فيه”.

والمُحالينَ لمحكمة “الإرهاب” سيطبق المرسوم على المحكومين، وغالباً على الموقوفين الذين لم يصدر بحقهم حكم”، بحسب المحامية.

وترى “الصفدي”، أن المشكلة تكمن في أن “معظم المعتقلين المختفيين قسرياً لا أحد يعرف مكانهم ولا مصيرهم، منهم من أعلم بوفاتهم عن طريق النفوس، كحالة زوجي المهندس باسل الصفدي، دون العلم عن مكان جثته أو مكان دفنه. ويبقى الإحساس بعدم التصديق هو الأصعب”.

وحذرت “الصفدي” من الابتزاز العاطفي والمالي لذوي المعتقلين، وخاصة من نشر قوائم وهمية بأسماء المعتقلين.

وترى المحامية أن مساعي المجتمع الدولي للتغير في سوريا، ورغبته بحل ملف المعتقلين، “ليست ممكنة في ظل وجود هذا النظام، حيث لا وجود للحلول، والمجتمع الدولي لا مصلحة له الآن بزوال هذا النظام”.

العفو والقانون

والمرسوم لم “يشمل المتهمين بمخالفة المواد 285 و286 و287 و291 و292 و293 و306و307 من قانون العقوبات العام”، بحسب المحامي ميشيل الشماس المقيم في ألمانيا وعضو هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير.

ويضيف” الشماس” أن هذه المواد غالباً “ما توجه للناشطين والمعارضين لنظام الأسد”.

ويشير إلى أن هذا “العفو يشمل فقط المتهمين بموجب مواد قانون الإرهاب رقم 19 لعام 2012، أي المرتكبين لعمل إرهابي ويستثنى من العفو إذا أدى الفعل الإرهابي إلى موت الإنسان”.

ويضيف المحامي، أن “معظم المشمولين من مرسوم الأسد، قد أنهوا أحكامهم، أو بعضهم شارف على إكمال تنفيذ الأحكام الصادرة بحقهم”.

ولا توجد إحصائية حول الذين أفرج عنهم، “بالكاد يتجاوز المئات من أصل أكثر من مئات الآلاف من المعتقلين والمختفين قسرياً، في سجون الأسد وأقبية مخابراته” بحسب ” الشماس”.

والثلاثاء الماضي، قالت وزارة العدل في الحكومة السورية، في منشور على صفحتها الفيس بوك، إنه وتطبيقاً لمرسوم العفو، تم إطلاق سراح مئات السجناء الموقوفين من مختلف المحافظات السورية، خلال اليومين الماضيين.

واختتم المحامي أن “الهدف من هذا العفو عودة الشباب السوري إلى البلد، وعودة التحويلات المصرفية التي هو بأمس الحاجة إليها بالإضافة لتخفيف الأثر الذي أحدثة اكتشاف مجزرة التضامن وما أثارته من ردود فعل واسعة”.

إعداد إحسان محمد- تحرير: مالين محمد