قراءة في قانون جرائم المعلوماتية رقم 20

أصدر الرئيس السوري القانون رقم 20 لعام 2022 المتعلق بما سمي بجرائم المعلوماتية. بداية عليَّ أن اعترف بصعوبة فهم ما جاء في نص القانون، إذ أن موضوعه يتميز بالخصوصية، وبغلبة الطابع الفني على مفرداته التي لا يفهمها إلا المختصون. مع ذلك وبالقدر الذي فهمنا نص القانون نحاول تقديم هذه القراءة فيه مركزين الاهتمام على نشاطات المستخدمين التي يجرمها هذا القانون (الفصل الرابع).

في باب تعريف المصطلحات الواردة في القانون (المادة 1) يحدد القانون المعلومات التي يطالها القانون وهي: “العلامات أو الإشارات أو النصوص أو الرسائل أو الأصوات أو الصور الثابتة أو المتحركة الرقمية التي تتم معالجتها لتصبح ذات معنى أو مغزى معين وترتبط بسياق محدد .”بهذا التعريف يمكن القول إن جميع النشاطات التي يقوم بها مستخدمو الشبكة العنكبوتية صارت بعد صدور هذا القانون تحت سلطة المساءلة في حال كانت ذات طابع جرمي. وفي المادة ذاتها وتحت عنوان “الجريمة المعلوماتية” حددها القانون بأنها كل استخدام للشبكة يستهدف “المعلومات أو نظم المعلومات او يرتبط بإضافة محتوى رقمي على الشبكة”. اللافت هو الجزء الثاني من الجملة والذي يرتبط بإضافة “محتوى رقمي” فهو يشمل كل أشكال نشاطات المستخدمين على الشبكة.

يفصل الفصل الرابع من القانون في النشاطات الجرمية للمستخدمين، إذ في المادة 11 الفقرة أ يجرم القانون تجاوز “حدود الدخول” إلى أي موقع إلكتروني أو نظام معلومات أو حتى إلى حساب شخصي، دون أن يحدد المقصود بـ”حدود الدخول المشروع” التي قد يجهلها المستخدم.

وبحسب الفقرة ب من المادة المذكورة تعد جريمة “نسخ المعلومات التي وصل إليها (المستخدم  بطريقة شرعية) أو استخدمها أو حذفها أو قام بتعديلها”. السؤال هنا لماذا يدخل المستخدمون إلى الشبكة أليس من أجل ما نصت عليه الفقرة السابقة الذكر، أم ينبغي أن يقتصر الاستخدام على القراءة فقط؟!. ويعد جرماً أيضاً إذا قام الفاعل بحذف المادة التي استخدمها من موقعها الأصلي (الفقرة ج).

فيما يتعلق بالدخول غير المشروع (المادة12) وكذلك فيما يتعلق بشغل موقع الكتروني (المادة 13)، أو انتحال حساب شخصي (المادة 14) فهي مبررة من حيث المبدأ، خصوصاً عندما يتعلق الموضوع بما يمكن تسميته بأسرار (معلومات خاصة لا يراد إتاحتها لجمهور المستخدمين) تابعة للدولة أو لجهات حكومية أو خاصة، وعموماً من هم قادرون على ذلك يسمون عادة بالهاكر.

يعد جريمة أيضاً ( المادة 17) إرسال “رسالة أو معلومات عبر الشبكة إلى الغير مهما كان محتواها بشكل متكرر دون رغبة المتلقي في استلامها، وكان غير قادر على إيقافها أو أن إيقاف وصولها مرتبط بتحمله نفقة إضافية”. المشكلة في هذه الفقرة عبارة “مهما كان محتواها” فهي تشمل حتى عبارات السلام والتحية وما شابه التي يتداولها المستخدمون عادة على الشبكة. وفيما يخص النفقة الإضافية فقد تركها القانون أيضا غير محددة، فقد تكون قليلة جداً. كان يستحسن تضمين هذه المادة عبار إضافية تحيل الادعاء إلى الشخص المتلقي.

ويعد جرما بموجب المادة 23 الحصول على “تسجيلات صوتية أو مرئية أو التقط صور تخص أحد الناس من دون رضاه”. من المعلوم أن كثير من الأفلام والمسلسلات وحتى الصور والمواد العلمية تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل أن يشاهدها الجمهور، وفي كثير من الأحيان يتم نسخها والاحتفاظ بها لمشاهدتها لاحقا، لكن بحسب نص هذه المادة صار لزاما استئذان الجهة صاحبة التسجيل أو الصورة أو المادة العلمية.

اللافت في المادة 24 المخصصة لما سمي “الذم الإلكتروني” الذي صار جريمة بموجبها سواء أكان علنيا أم غير علني، فهي لم تحدد المقصود بـ”الذم”، وكذلك فعلت المادة 25 التي تجرم “القدح أو التحقير الإلكتروني”، والمادة 26 التي جرمت المساس “بالحشمة أو الحياء”.

إن أخطر ما جاء في القانون هو المواد 27 و28 و29  والخاصة بالجرائم الواقعة على “الدستور” وتلك التي تنال من “هيبة الدولة” أو من “مكانتها” المالية. فبحسب المادة 27 صار فعلا جرميا كل من أنشأ أو أدار موقعاً إلكترونياً أو صفحة إلكترونية أو نشر محتوى رقمياً على الشبكة بقصد إثارة أفعال تهدف أو تدعو إلى تغيير الدستور بطرق غير مشروعة، أو سلخ جزء من الأرض السورية عن سيادة الدولة، أو إثارة عصيان مسلح ضد السلطات القائمة بموجب الدستور أو منعها من ممارسة وظائفها المستمدة من الدستور، أو قلب أو تغيير نظام الحكم في الدولة”.

في ظروف الأزمة السورية يرغب كثير من السوريين بل أغلبهم يريدون تغيير الدستور والنظام بغير الطرق التي يحددها النظام نفسه ويسميها طرق “غير مشروعة”، بل صار مسار جنيف ولجنته الدستورية يمثل فعلا جرميا بموجب هذه المادة.

فيما يخص النيل من “هيبة الدولة” (المادة 28) فهي عملياً بلا موضوع فالدولة مقسمة سلطة وشعبا وجغرافيا إلى مناطق نفوذ تتدخل فيها دول أجنبية عديدة، وبالتالي لا وحدة وطنية قائمة. في الواقع المقصود ليس هيبة الدولة بل “هيبة النظام” حيثما وردت في القانون، فهو يحسب نفسه الدولة.

ويجرم القانون في المادة 29 كل من “يزعزع الثقة في أوراق النقد الوطنية أو أسعار صرفها المحددة في النشرات الرسمية” .علما أن الجهة المسؤولة عنها تغيرها باستمرار بين الفترة والأخرى.

يتضمن القانون العديد من المواد التي تجرم القائمين على خدمة المستخدمين، ويضاعف العقوبات في حال كان جرم المعلوماتية قد وقع على جهة عامة. باختصار يعد هذا القانون مفصلا على قد مصلحة النظام وسوف يستخدم بالتأكيد لمزيد من كم الأفواه.