فرحة لن تكتمل…. أطفالٌ في كوباني ينتظرون عودة آبائهم في العيد

كوباني- نورث برس

تجلس مزكين أحمد (26 عاماً) من سكان قرية زرافيك جنوبي كوباني، أمام باب منزلها وتحتضن أطفالها الأربعة، وهي عاجزة عن الرّد على أسئلتهم المُلحة حول موعد عودة والدهم الذي لن يعود، ليشاركهم فرحة عيد الفطر.

وفي الخامس والعشرين من كانون الأول / ديسمبر 2021، قصفت مسيرة تركية، الملعب الذي كان يلعب فيه فريق كرة القدم بكوباني، الأمر الذي أدى لإصابة عدد من اللاعبين ومن ضمنهم زوج العشرينية.

وبصوت خافت حتى لا يسمعها أطفالها، تقول “أحمد” لنورث برس، إنها تجيب على أسئلتهم الممزوجة باللهفة لسماع الإجابة، بأن والدهم “سيعود يوماً ما”، إذ لم تخبرهم أنه قضى نحبه في تلك الحادثة.

وفي الأول من كانون الثّاني/ يناير من العام الجاري، توفي مسعود إبراهيم متأثراً  بإصابته، ليترك خلفه أطفالاً أكبرهم بعمر الخمس سنوات، يتأملون صوره التي تملأ جدران غرف منزل جدهم الذي يقطنون فيه، في حين يحتفل أقرانهم مع آبائهم.

لا يعوض

ورغم أنّ عم الأطفال اشترى لهم ملابس العيد، إلا أنهم استمروا بإخبار أمهم أنّ “الآباء هم من يجب أن يشتروا مستلزمات العيد”، حسب السّيدة.

وتقول “أحمد” إنها ترى نظرات الحزن جلية في عيني جدي أطفالها، كلما نظرا إليهم، وتذكرا فقيدهما،  إذ أنّ عائلة زوجها تكفلت برعايتها وأطفالها بعد الحادثة، فضلاً عن تلقيها راتب رمزي من مؤسسة عوائل الشّهداء في المدينة.

وتنظر “أحمد” إلى السّماء الملبدة بالغيوم، وتشهق بحرقة لتضيف أنّ الطّائرات المسيرة التي تسببت بفاجعتها، ما تزال تقصف السّكان العزل، وتقتلهم في كوباني وريفها، “هناك كثيرٌ ممن يشاركونني المعاناة نفسها”.

وبدلاً من قدوم الرّجل ليحتضن أطفاله ويعايد والديه هذا العيد، زارته زوجته في المقبرة، لتقف عند شاهد القبر وتتذكر كيف أنه كان يشتري الملابس للأطفال في كل عيد، ويأخذهم لزيارة أقربائهم.

وتقول “لا مجال للفرح، لأنه لن يكون بيننا، لكنه عالقٌ في ذاكرتنا ما حيينا، لدرجة لا نعرف فيها، كيف ستمر الأعياد من دونه”.

وتنتظر الأرملة أنّ يصل أطفالها إلى السّن المناسب الذي يعرفون فيه ما معنى لفظة “الموت” لتخبرهم بأن والدهم لم يعد موجوداً في هذا العام.

عيدٌ ناقص

ومن جهة أخرى لم تستطع بيريبان عبدي (25 عاماً) من سكان ريف كوباني، شراء ألبسة العيد هذا العام لأطفالها، بعد أنّ “استشهد” والدّهم حديثاً في أحداث سجن الصّناعة.

وفي 20 كانون الثّاني/ يناير من العام الجاري، نفذ ما يقارب 5 آلاف عنصر محتجر من “داعش” تمرداً، داخل سجن الصّناعة بالحسكة، ترافق مع اقتحامه من قبل خلية تابعة للتنظيم مؤلفة من حوالي 100 عنصر، إبان ثلاث انفجارات مُنظمة في محيط السّجن.

وخلفت هذه الحادثة العديد من الضّحايا، منهم اثنى عشر مقاتلاً مُنحدراً من كوباني من بينهم زوج بيريبان، حسين كنو، بعد محاولة قوات سوريا الدّيمقراطية بالتّعاون مع التّحالف، ضبط الأوضاع، ووقف العصيان المُخطط له منذ أشهر قبيل الحادثة.

وتسكن الأم لثلاث أطفال، في المنزل المجاور لوالدة زوجها بقرية زرافيك، وتقول “لا يمكن لأحد أن يعوض طفل فقد والده”.

وتغلق السّيدة الباب عليها وعلى أطفالها، لأنه لا مكان يذهبون إليه في هذا العيد، “في الأعياد السّابقة كنا نشتري الملابس الجديدة والأحذية للأطفال، ونزور جميع الأقارب، لكن هذا العام سنبقى بين الجدران”. 

وتشير السّيدة التي لم يغب الحزن عن ملامحها طوال حديثها، إلى أنّ زوجها كان يحرس بوابة سجن الصّناعة، عندما ذبحه أحد عناصر تنظيم “داعش”.

وما يزال أعمام أولادها يخدمون في دير الزّور والرّقة، وهم غير قادرين على مساعدتها لأنهم يتدبرون أمورهم بصعوبة، لذا فهي تعاني من أوضاع مادية متردية، حسب بيريبان.

وتنهمر الدّموع من عيني المرأة وهي تستذكر اللحظات الأخيرة التي رأت فيها جثمان زوجها، “وضعت يدي على رأسه، ورأيت بأم عيني كيف كان مذبوحاً”.

إعداد: فتاح عيسى – تحرير : آيلا ريّان