البعد عن الديار يغيِّب فرحة العيد عن عائلات نازحة من دير الزور
دير الزور – نورث برس
كلما اشتاق لمسقط رأسه، يذهب الرجل إلى شاطئ نهر الفرات ويجلس نصف ساعة، ينظر إلى بلدته ويتذكر الأعوام التي قضاها هناك وخاصة أيام العيد، فيعود متحسراً إلى مكان سكنه الحالي الذي يبعد 3 كيلومترات فقط عن منزله في البلدة.
وكل عيد، يحن علي المحمد (43 عاماً) إلى الأيام التي كان يقضيها مع أقاربه مع حلول أيام العيد، يتبادل التهاني والتبريكات، ويجتمع مع أبناء عمومته وأخواله ويأكلون الحلويات سوياً، “والبهجة والفرح تملأ وجوهنا “على عكس الأعياد التي يقضيها في ظروف النزوح.
ومع حلول عيد الفطر، يتحسر نازحون من أرياف دير الزور التي تخضع لسيطرة القوات الحكومية على عدم قدرتهم على قضاء أيام العيد مع أقاربهم وأصدقائهم وحتى البعض منهم لا يتمكن مع معايدة أمهاتهم وآبائهم.
وكان الرجل قد نزح من بلدته صبيخان 80 كيلومتر شرقي دير الزور، أثناء احتدام المعارك بين القوات الحكومية وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عام 2017، لينتهي به المطاف في بلدة أبو حردوب شرقي ديرالزور الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
ومنذ ذلك الوقت، استقر “المحمد” مع زوجته وأطفاله الأربعة في منزل صديق له، الذي أعطاه المنزل دون مقابل لحين عودته إلى منطقته.
“حلم العودة”
ولكن حلم العودة إلى البلدة وقضاء أيام العيد مع الأقارب غير ممكن حالياً بل يبدو “مستحيلاً” للرجل الأربعيني وخاصة أن صبيخان تقع تحت سيطرة القوات الحكومية وهو مطلوب للخدمة العسكرية الاحتياطية.
كما أن الحياة هناك شبه معدومة وسط قلة فرص العمل مع تضييق الفصائل الموالية لإيران على السكان، وفقاً لما يذكره “المحمد” لنورث برس.
ومنذ أكثر من عام، لم يرَ “المحمد” والدته وأشقائه، حيث استقر كل واحد منهم في مكان، بينما الأم ما تزال تعيش في منزلها في صبيخان “خوفاً من الاستيلاء عليه أو حرقه أو سرقته وتخريبه”، بحسب الابن.
ويضيف الرجل: “بعد مرور خمس سنوات من النزوح، مررنا بمأساة بعيدين عن بيوتنا أقاربنا”.
ويزيد على ذلك بلهجته المحلية، “مر علينا رمضان ولا شي، جانا العيد ولا شي، كأنو مو عايشين بالدنيا”.
وفي الصيف، يعمل “المحمد” في صناعة البوظة، بينما في الشتاء يعتمد على المبادرات الخيرية التي يطلقها سكان في المنطقة والمناطق المجاورة من ميسوري الحال، والمعونات التي توزعها المجالس التابعة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
مرارة النزوح
وتسيطر القوات الحكومية والفصائل الإيرانية على المناطق الغربية من نهر الفرات، من مدينة دير الزور وصولاً إلى البوكمال في أقصى شرقي دير الزور.
وبدأت الفصائل التابعة لإيران تغلغلها في أرياف دير الزور منذ سيطرتها على المدينة وأريافها غرب نهر الفرات في العام 2017 بعد معارك مع مسلحين تابعين “داعش”.
وخلال السنوات الماضية، شهدت تلك المناطق، حركة نزوح باتجاه شرق الفرات التي تقع تحت سيطرة “قسد” هرباً من معارك دارت فيها.
كما أن البعض نزح منها بعد انتهاء تلك المعارك بسبب الظروف الأمنية السيئة وتردي الأوضاع المعيشية وقلة فرص العمل، والتضييق الأمني من قبل القوات الحكومية والفصائل الموالية لإيران التي تنشط في تلك المناطق، بحسب نازحين التقت بهم نورث برس.
ولا يختلف حال محمد القاسم (٢٨ عاماً) وهو نازح في بلدة غرانيج وينحدر من مدينة دير الزور، عن سابقه، حيث يتحدث عن مرارة النزوح والمعاناة والألم الذي عاشه طوال السنوات العشر الماضية.
ونزح “القاسم” مع إخوته ووالده وأمه إلى غرانيج، ويعمل حالياً في كراج تصليح سيارات، بينما يعمل والده في تصليح طباخات “الكاز” بدائية الصنع.
ويتمنى الشاب العشريني هو الآخر العودة لمنزله في المدينة ولقاء أقاربه وأصدقائه الذين اعتاد زيارتهم في كل عيد والذهاب إلى الجسر المعلق، ولكن ذلك “غير ممكن حالياً”.