أول أيام العيد.. سكان في الرقة يضيعون قبور أحبائهم كان “داعش” أزال شواهدها

الرقة – نورث برس

لا تزال عليا الياسين (50 عاماً) وهي من سكان حي الحصيوة في مدينة الرقة، شمالي سوريا، تحافظ على زيارة مقبرة “حطين” وسط المدينة، صباح اليوم الأول من كل عيد رغم  أنها لا تستدل على قبر أحبائها.

وتقول السيدة الخمسينية، “زيارة المقبرة وقراءة الفاتحة على أرواح المدفونين فيها يترك في نفسي قليلاً من الطمأنينة والراحة”.

وككل عيد، اشترت “الياسين” علبة من الحلويات وذهبت مع عائلتها فجر صباح اليوم الاثنين، إلى المقبرة وتجولت بين القبور التي سويت شواهدها مع الأرض، وضعت بعض الحلويات عليها ووزعت بعضها على المتواجدين في المقبرة وعادت إلى منزلها دون أن تتمكن من قراءة الفاتحة على قبر شقيقها وابنها.

وفي الرقة، عمد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) خلال فترة سيطرته على المدينة وخاصة عام 2015 وبشهادات سكان، على إزالة شواهد قبور المدينة من خلال جرفها أو تكسيرها، على اعتبار أنها “بدعة ومظاهر شركية”.

ومنذ ذلك الوقت، أضاع غالبية السكان مكان دفن موتاهم، ما يتعذر عليهم زيارة قبورهم كما اعتادوا أن يفعلوا في كل عيد أو مناسبة، وخاصة أن “داعش” منعهم من إعادة وضع شواهد عليها.

ويؤكد سكان لنورث برس أن معظم القبور الموجودة في الرقة وريفها لم تكن ذات عمارات عالية، إنما اقتصر الأمر على وجود شاهدة قبر يكتب عليها اسم الميت الكامل وتاريخ وفاته للاستدلال عليه من قبل عائلته لا سيما في مقابر المدينة التي تتزاحم فيها القبور.

“لم يسلم حتى الميت”


تفشل “الياسين” من منع نفسها من البكاء وهي تروي لنورث برس زيارتها الأولى هي وأفراد عائلتها لمقبرة حطين في العام 2015، التي دُفن فيها شقيقها وابنها، باحثين عن القبرين اللذين ضاعت معالمهما.

ولم تستطع العائلة حتى اليوم، الاستدلال على قبر ابن وشقيق “الياسين” اللذين دفنا بمقبرة حطين عام 2012 بعد أن توفيا بحادث سير على طريق حلب الرقة.

تضيف الأم المفجوعة، “لم يسلم حتى الميت”.

وتضم مدينة الرقة عدة مقابر أكبرها مقبرة تل البيعة التي تقع على أطراف المدينة الشمالية الشرقية ومقبرة حطين التي تقع وسط المدينة، إلى جانب عدة مقابر أخرى تنتشر في البلدات والقرى التابعة للرقة.

وخلال العام 2014 ، سيطر “داعش” على مدن وأرياف الرقة وحلب ودير الزور، ليعلن في ذات العام “الخلافة الإسلامية” على أراضٍ واسعة في عدة مدن ومناطق سورية وعراقية، وأصبحت الرقة عاصمة لتلك الخلافة المزعومة وتحولت إلى مقر قيادة التنظيم.

ولجأ التنظيم  خلال فترة سيطرته، في مناطق واسعة في سوريا والعراق، إلى تجريف المقابر، كما دمر العديد من المقامات والأضرحة الإسلامية التي كانت موجودة في المنطقة.


شاهدة جديدة

ويعتاد سكان الرقة، كما جميع المناطق السورية على زيارة القبور في صباح أول أيام العيد ويعتبرونها طقساً مهماً يجب القيام به قبل المباركة بالعيد أو تقديم الحلوى.

وتبدأ زيارة القبور منذ ساعات الفجر الأولى، حيث يصطحب ذوو المتوفين معهم حلويات ويضعون بعضها على القبور، فيما يتم توزيع بعضها الآخر على الأطفال والمتواجدين في المقبرة.

بينما استطاع بعض السكان إيجاد قبور أحبتهم حتى بعد تجريفها وإزالة شواهدها وذلك من خلال الاستدلال على بعض العلامات التي كانت تقع على جانب القبور أو بالقرب منها.

ويقول ياسر محمد (28 عاماً) وهو من سكان قرى الكسرات بريف الرقة الجنوبي، إنه استطاع هو وأشقائه إيجاد قبر شقيقهم الذي توفي في بداية العام 2015 بصعقة كهربائية.

ويشير “محمد” إلى أنهم استطاعوا إيجاد القبر من خلال الاستدلال عليه بعدة علامات منها وجود صخور بيضاء كلسية قريبة من القبر حافظت على وجودها ووجود عمود معدني قريب من القبر.


ويتذكر الشاب العشريني جيداً اللحظات الأولى خلال زيارته هو وأمه لقبر شقيقه ليجدوا أن القبر قد أزيلت شواهده وتعرض للتخريب على يد عناصر “داعش”، الأمر الذي ترك أثراً نفسياً بالغاً في العائلة.

ويذكر “محمد” أنهم لم يستطيعوا إعادة تأهيل القبر بعد تخريبه خوفاً من “بطش داعش”، واستطاعت عائلته تأهيل القبر ووضع شاهدة له من جديد وذلك بعد طرد التنظيم من المدينة  نهاية 2017.

إعداد: عمار عبد اللطيف – تحرير: زانا العلي