مشتل زراعي بريف حلب الشمالي مصدر رزق لعائلات نازحة من عفرين
ريف حلب الشمالي- نورث برس
في مشتل بريف حلب الشمالي، تنهمك نساء نازحات من منطقة عفرين بزراعة شتلات وغراس أشجار في أكياس صغيرة وتعبئتها بالتراب، فيما يقوم رجال برصِّ الأكياس قرب بعضها البعض بشكل متناسق.
وتحت أشعة الشمس، تقضي فيدان رسولو (52 عاماً) برفقة خمسة من العاملات الأخريات ثماني ساعات يومياً في زراعة الشتلات والغراس مقابل ثماني آلاف ليرة.
وتبدو ملامح التعب واضحة على وجه “رسولو” وهي نازحة من قرية كفرصفرة التابعة لناحية جنديرس بريف عفرين، فهي تعمل تارة وتأخذ قسط من الراحة تارة أخرى.
وتجد السيدة الخمسينية وهي مصابة بمرض القلب والسكري رغم تقدمها في السن، نفسها مجبرة على العمل، إذ يتطلب منها دفع زكاة فطر وشراء مستلزمات العيد.
تقول “رسولو” بينما كانت تأخذ قسطاً من الراحة، “رغم أننا نازحون لكن الناس تعتب علينا إذا لم نقدم ضيافة العيد”.
وتشتكي العاملات في المشتل من قلة الأجرة اليومية والتي لا تتناسب مع غلاء أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، فالمبلغ الذي يحصلن عليه يكاد لا يكفي لشراء 2 كيلوغرام من البندورة وتقلن بأنهن بحاجة إلى 15 ألف يومياً لشراء بعض الخضار والخبز.
ولكن رغم ذلك، يجد العاملون في المشتل أن ذلك يبقى أفضل من البقاء دون العمل، “فبحصة تسند جرة”، بحسب تعبيرهم.

150 ألف شتلة
وعام 2019، أنشأ محمد كدرو (46 عاماً) المشتل أمام المنزل المتهالك الذي يأوي عائلته بقرية الأحداث بريف حلب الشمالي بعد أن أجبر على ترك مشتله في قرية كفرصفرة أثناء العملية العسكرية التركية ضد منطقته عام 2018.
ويضم المشتل، شتلات الزيتون بشكل رئيسي، بالاضافة إلى العديد من أنواع أشجار الفاكهة مثل الرمان والمشمش والتين واللوز والجوز والفستق الحلبي وأنواع من الأزهار كالياسمين والفل والريحان وفم السمكة وغيرها.
وخلال سنوات النزوح الماضية، كان “كدرو” يزرع 50 ألفاً من شتلات الزيتون سنوياً، أما هذا العام وسع مشروعه ليصل عدد الشتلات إلى حوالي 150 ألف شتلة.
ويعتبر زراعة الشتلات عمل الرجل الأربعيني الأساسي، إذ يعمل فيه منذ قرابة 35 عاماً واستطاع بالتعاون مع أفراد عائلته العودة إليها مرة أخرى، بعد نزوحه من منطقته.
ويعود “كدرو” بذاكرته إلى عمله في قريته التي كانت تضم قبل سيطرة القوات التركية وفصائل المعارضة المسلحة عليها نحو 800 عائلة تعتمد معظمها على المشاتل كمصدر زرق.
وحينها كان الرجل ينجز عمله في مساحات أكبر وكان يصدر إنتاج مشتله إلى العراق وإيران وليبيا، أما الآن يبيع غراسه لتجار من مدينة حلب وحماة وإقليم الجزيرة شمال شرقي سوريا، بالإضافة إلى مزارعين بريف حلب الشمالي.
وتبدأ مراحل الزراعة في كانون الأول/ ديسمبر بعد قطع أفرع من أشجار الزيتون ووضعها في حرارة مناسبة وسط حصى سوداء موضوعة في بيوت بلاستيكية والتي تبلغ نسبة نجاحها 80% ، بحسب “كدرو”.
صعوبات
ويعاني صاحب المشتل من صعوبة تأمين المحروقات وفقدانها في أغلب الأوقات لتشغيل المولدة سقاية الشتلات وذلك بسبب الحصار التي تفرضه الحكومة السورية على منطقة توزع نازحي عفرين بريف حلب الشمالي.
بالإضافة إلى التكاليف العالية لشراء الأكياس والتراب، حيث يبلغ كيلوغرام من أكياس النايلون التي يزرع فيها الشتلات عشرة آلاف ليرة.
ومنذ سيطرة تركيا على عفرين في الثامن عشر من آذار/ مارس 2018، يتوزع قسم من نازحي المنطقة في مخيمات العودة وعفرين وبرخدان وسردم وشهبا، بينما يتوزع آخرون على 42 قرية وبلدة بريف حلب الشمالي.
وبعد عناء في البحث عن العمل، تمكن عبد الرحمن مصطفى (44 عاماً) من العمل في مشتل “كدرو” لكسب قوت يوم عائلته التي تتألف من خمسة أشخاص.

ويقول “مصطفى” وهو نازح من قرية حمام التابعة لناحية جنديرس إنهم بحاجة إلى عمل دائمي، حيث يعد العمل في المشتل موسمي ومؤقت.
وبعد أن تقوم العاملات بزراعة الشتلات، يحملها “مصطفى” على عربة وينقلها ويرتبها على شكل خطوط لسهولة سقايتها والتنقل في المشتل.
ويعمل الرجل من الساعة السابعة صباحاً حتى الخامسة مساءاً في المشتل بمبلغ عشرة آلاف ليرة، ويجد هو الآخر يوميته “قليلة” مقارنة مع الوضع الاقتصادي الصعب وارتفاع أسعار كافة المواد، “ناهيك عن شراء مستلزمات العيد الذي بات على الأبواب”.