الظروف الأمنية “السيئة” تمنع مئات العائلات النازحة في الحسكة من العودة لمناطقها

الحسكة – نورث برس

في خيمة جمعت أوصالها أقمشة وشوادر شبه مهترئة بمحيط حوض سد الحسكة الغربي، يجلس فيصل المبارك (52 عاماً) برفقة عدد من الرجال، يتبادلون أطراف الحديث عن أحوال مسقط رأسهم وكيف أصبحت منذ أن نزحوا منها.

وفي محيط السد الآنف الذكر، تستقر مئات العائلات وغالبيتها من عشائر العنزة والبوشعبان والبوخميس والمشاهدة وآخرون منذ نحو عشر سنوات، بعدما فروا من مناطقها في أرياف دير الزور الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية.

ورغم الظروف الصعبة التي يواجهها هؤلاء بسبب قلة المياه في السد وندرة المراعي لمواشيهم، لكن هؤلاء لا يغامرون في العودة إلى مناطقهم بسبب الظروف الأمنية “السيئة”.

ويقول “المبارك” الذي ينحدر من بلدة كباجب الواقعة على الطريق الواصل بين دير الزور والعاصمة دمشق، إنهم يرغبون في العودة إلى ديارهم ومناطقهم، “لكن لا نستطيع، الأوضاع هناك سيئة، هناك الكثير من المشاكل والقتل”.

ويزيد على ذلك، “نحن مدنيون نبحث عن الرزق لمواشينا، سابقاً كنا نستفيد من البادية لرعي أغنامنا، ولكن نتيجةً لسوء الأوضاع الأمنية لا نستطيع العودة لرعي ماشيتنا”.

وقد أدت المعارك بين قوات الحكومة السورية والفصائل التابعة لإيران والموالية للحكومة من جهة وخلايا تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من جهة أخرى، في منطقة البادية خلال الأعوام الماضية، لنزوح شبه كامل لسكان مناطق كباجب والشولا والسخنة والقرى التابعة لها.

وازدادت أعداد العائلات النازحة من دير الزور التي تتخذ من حوض سد الحسكة الغربي وعلى أطرافه مكاناً للسكن الدائم، تباعاً من العام 2011 وحتى أواخر عام 2017، ويقدر عددهم بنحو ثلاثة آلاف عائلة.

“مناطق موت وقتل”

وتعتبر بادية دير الزور التي تنتشر فيها فصائل مدعومة من إيران وقوات حكومية، بالإضافة لخلايا “داعش”، إحدى أكثر المناطق المناسبة لرعي الأغنام بسبب طبيعتها ووفرة المراعي فيها.

ولكن تلك المنطقة تشهد نشاطاً من قبل خلايا التنظيم التي تنفذ بين الحين والآخر عمليات عسكرية ضد القوات الحكومية عبر نصب كمائن وزرع عبوات وألغام وشن هجمات مباغتة.

ويشير “المبارك”، بينما كان يضع شماخاً وعقالاً على رأسه، إلى أن الطريق الواصل بين دير الزور ودمشق مؤمن “ولكن البادية غير مؤمنة، هناك سلب وقتل وقطع طرقات”.

ويتحسر الرجل الذي تتألف عائلته من 16 فرداً عما آل إليه حالهم في منطقة الجزيرة مع شح الأمطار وخاصة خلال العامين الماضيين وغلاء الأعلاف، حيث لم يعتادوا سابقاً على شراء كميات كثيرة من الأعلاف أثناء تواجدهم في منطقتهم.

ويصف “المبارك” مناطق الشولا وكباجب الهريبشة وخضرلما والبغالي وحميمية والصرايا والرشوانية الهيلب الفوق والتي تعتبر من المناطق ذات الخضرة الوفيرة في دير الزور بـ”المناطق الساخنة لا يمكن العيش فيها”.

ومنذ نحو تسع سنوات، نزح حامد الصويرات (58 عاماً) برفقة عائلته المؤلفة من 14 فرداً من قريته الدفيلة التابعة لمنطقة كباجب، نحو 70 كم إلى الجنوب من دير الزور واستقر في حوض سد الحسكة الغربي.

ويؤكد الرجل لنورث برس: “ليس لنا عداء مع أي جهة ولكن مناطقنا موت وقتل، نزحنا من الخوف على أنفسنا وعائلاتنا ومواشينا”.

ويعود ويتساءل: “في حال عدنا من سيحمينا؟ ليس هناك أحد ليحمينا”.  

“تحت الصفر”

لكن البحث عن الأمان، وضع تلك العائلات أمام تحديات أكبر وخاصة أنهم يعتمدون في معيشتهم بشكل أساسي على تربية المواشي، حيث أدت ندرة المراعي وغلاء الأعلاف إلى تراكم الديون عليهم.

ويلجأ البعض منهم لبيع رؤوس من مواشيهم في سبيل شراء الأعلاف، الأمر الذي أدى إلى انخفاض أعدادها بشكل ملحوظ، فيما نفقت أخرى بسبب الجوع، وفقاً لما يذكره “الصويرات” لنورث برس.

ويحدث كل هذا في ظل غلاء أسعار كافة المواد أضعاف ما كانت عليه قبل عام، وهو ما يثقل كاهل هذه العائلات.

ويذكر “الصويرات” بعضاً من تلك الأسعار: “كيس الطحين يباع بـ 120 ألفاً، علبة الزيت النباتي (4 ليترات) سعرها يصل لـ50 ألفاً، كيس السكر بـ185 ألف ليرة. المصاريف عالية، لم نعد نقوى حتى على  شراء الخضراوات”.

ويضيف: “الحالة المعيشية تحت الصفر”.

وأمام هذه الظروف، يحن ثامر العبد الله (41 عاماً) إلى بلدته الشولا، نحو 40 كم إلى الجنوب من دير الزور التي اضطر للنزوح منها عام 2014 نتيجة لتدهور الأوضاع الأمنية.

وتنتقل عائلة “العبد الله” المكونة من 8 أفراد، خلال فصل الصيف بين مناطق الجزيرة السورية لتأمين العلف للمواشي من خلال شراء الشعير ومحاصيل الأراضي الزراعية، وفي الشتاء تعود إلى حوض السد لقربه من مدينة الحسكة.

يقول الرجل الأربعيني وهو مربي ماشي يملك 75 رأساً من الأغنام، بلهجته المحلية، “مناطقنا نحلم بها، حتى في الليل نحلم بديرتنا، الواحد يسلك عن ديرته؟ .. لو أحسن اليوم قبل بكرا أرحل على ديرتي”.

ويؤكد هو الآخر أنه ليس له مشاكل مع الأطراف المتصارعة ولكنه لا يغامر في العودة.

إعداد: جيندار عبدالقادر – تحرير: سوزدار محمد