ناشطون في درعا: قانون تجريم التعذيب حبر على ورق وخطوة لرفع المسؤولية
درعا – نورث برس
بعد أربع سنوات من الانتظار، تفاجأت عائلة محمد عمار الزعبي، في درعا جنوبي سوريا، بوصل ابنهم جثة هامدة قضى تحت التعذيب في سجون الحكومة السورية.
وحاولت العائلة خلال فترة اعتقال الشاب، بدفع مبالغ مالية كبير لضباط في القوات الحكومية مقابل إطلاق سراحه، إلا أنها باءت كلها بالفشل.
و”الزعبي” ، المُنحدر من مدينة طفس، بريف درعا الغربي، كان قد اعتقل على أحد الحواجز العسكرية التابعة للقوات الحكومية على أوتوستراد دمشق – درعا بعد أن خضع لتسوية.
ولم يسبق له الانخراط في صفوف المعارضة، وهو مدني يبلغ من العمر (25 عاماً)، ولم يتمكن ذووه من التوصل إلى السبب وراء عملية اعتقاله بحسب مصادر محليّة.
وشهدت درعا، في نيسان /أبريل الجاري، تسليم جثتي مدنيين لذويهما، قتلا تحت التعذيب داخل معتقلات القوات الحكومية، وكان “الزعبي” أحدهما، وذلك بالتزامن مع صدور مرسوم رئاسي يجرم من يعذب المُعتقلين.
ونهاية الشهر الماضي، أصدر الرئيس السوري، بشار الأسد، قانوناً جديداً يجرم فيه التعذيب بما يتوافق مع الالتزامات الدستورية، وذلك بعد يومين من إلغاء عقوبة الأشغال الشاقة.
ونصَّ القانون، على أنَّهُ “يعاقب بالسجن لمدة 8 سنوات على الأقل كلّ مَن ارتكب عملية تعذيبٍ، أو شارك فيها، أو حرّض عليها سواء كانت للحصول على اعترافٍ أو تحقيقاً لمآرب شخصيةٍ، أو ماديةٍ، أو سياسيةٍ أو بقصد الثأر أو الانتقام، وبالسجن عشر سنواتٍ على الأقل لكلّ مَن ارتكب التعذيب بحق موظفٍ بسبب ممارسته لمهامه”.
حبر على ورق
ويرى ناشطون في درعا، أن القرارات التي تصدر عن الحكومة فيما يخصُّ ملف المعتقلين، ما هي إلا حبر على ورق، ولا يتم تطبيقها.
وليس ببعيد عن حادثة “الزعبي” تسلم ذوو، محمد غازي أبو ركبة، جثة ابنهم البالغ من العمر (34 عاماً) بعد أربع سنوات من اعتقاله داخل سجن صيدنايا بدمشق وعليها آثارُ تعذيب في منطقتي الرأس والصدر”.
وأبو ركبة” المنحدر من مدينة نوى بريف درعا الغربي كان قد انشق عن القوات الحكومية مع بداية الاحتجاجات في محافظة درعا، وبعد تم تطبيق اتفاق التسوية في عام 2018، سلّمَ نفسه بهدف الاستفادة من العفو الذي صدر بحق المنشقين، ليتمَ اعتقاله بدلاً من إعادته إلى الخدمة العسكرية، حسبما ذكت مصادر محليّة لنورث برس.
وحاول ذوه إطلاق سراحه بمبلغٍ قُدر بـ 40 مليون ليرة كرشوةٍ قدموها لضباطٍ في الحكومة، لكنهم صُدموا بمفارقته الحياة وتسليمهم جثته ليتم دفنها في مقبرة المدينة.
ويُعد ملف المعتقلين داخل سجون القوات الحكومية، من أبرز الملفات العالقة في محافظة درعا بعد أن تم تطبيق بنود اتفاق التسوية عام 2018، والذي ينص في أحد بنوده على الكشف عن مصير المعتقلين والإفراج عن الأحياء منهم بضمانة روسية.
ولكن حتى اللحظة لم يتم تطبيق هذا البند من الاتفاق ويتهرب ضباط القوات الحكومية من تنفيذه من خلال خلق حجج في كل لقاء يتم بينهم وبين أعضاء اللجنة المركزية في درعا، بحسب ناشطين.
غياهب السجون
ويشكل الشبان القسم الأكبر من المعتقلين داخل سجون القوات الحكومية، منذ بداية الاحتجاجات في عام 2011 بعضهم ليس لديهم أيُّ نشاطات، لكن التعذيب غير الطبيعي الذي يتعرضون لهُ يجبرهم في غالب الأحيان على الاعتراف بأعمال لم يسبق لهم القيام بها أو حتى السماع عنها، كي يتخفف عنهم وطأة التعذيب، بحسب معتقلين سابقين في سجون الحكومة التقت بهم نورث برس.
يقول شامل أبو العيون (47 عاماً) اسم مستعار لأحد المعتقلين الذين قضوا خمس سنوات داخل عدة معتقلات تابعة للقوات الحكومية، إنَّ أساليب التعذيب التي يتعرض لها المعتقلون داخل سجون القوات الحكومية كنا سابقاً نسمع بها لكن لم نكن نتصور مدى صعوبتها.
وأضاف، أن عملية “شبح المعتقل” وهي عملية رفع جسد المعتقل من يديه لساعات طويلة أو لأيام في بعض الأحيان تجعل عظام اليدين تنفصل عن بعضها البعض، مع الضرب بأدوات قاسية كالحديد والبلاستيك المقوى على مناطق حساسة من الجسد هي من أشد أنواع التعذيب.
“هناك العشرات من الأساليب التي يتم اتباعها في التعذيب، أبرزها استخدام الأسلاك الكهربائية على جسد المعتقل ما يؤدي إلى ارتجافٍ في الجسد بشكل غير طبيعي وفي الكثير من الأحيان يُغمى عليه بفعلِ الصدمات الكهربائية، ما يجبره على الاعتراف بأي شيء يُطلب منه الاعتراف فيه كملاذٍ من التعذيب”.
مكر وخداع
أما راضي السامح، (55 عاماً) من مدينة درعا وهو معتقل سابق لثلاث سنوات، قال لنورث برس، إنَّ أساليب التعذيب النفسي الذي تعرض له داخل سجن صيدنايا لاتقل قسوة عن التعذيب الجسدي.
وأضاف، أن، أبشع أنواع التعذيب أن تقف أمام أحد عناصر القوات الحكومية وهو أصغر من أبنائك ويعمل على شتمك بشتائم نابية وأنت مكبل اليدين غير قادر فعل أي شيء”.
تسعى الحكومة في الكثير من الأحيان إتباع سياسة المكر والخداع من خلال مراسيمها بهدف امتصاص غضب الشارع الثائر الذي لم يكل في لحظة من اللحظات عن المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين بحسب سليمان العمر، وهو اسم مستعار لناشط في درعا.
ويعتقد الناشط، أنه لم يبقَ معتقل داخل سجون القوات الحكومية قادر على تحمل ضربة واحد بعد كل هذه الفترات الطويلة من الاعتقال، بسبب التعذيب الذي يتلقونهُ عل يد عناصر المخابرات.
ويرى أنه حتى لو قررت الحكومة اتباع هذه السياسية ومحاسبة كل من يقوم بتعذيب المعتقلين، “فهي قد تأخرت لأننا وصلنا إلى مرحلة لا تتوجب التعذيب من أجل اعتقال فلان أو أخذ معلومات عن منطقة ما أو شيء ما”.
ويرى الناشط، بأنَّ إصدار مرسوم يحاسب من خلاله كل من يشارك بتعذيب معتقل داخل السجون بالسجن لمدة ثماني سنوات، “ما هي إلا خطوةٌ لترفع الحكومة عن نفسها مسؤولية من قضوا تحت التعذيب في سجونها”.