ارتفاع الأسعار.. عائلات في الرقة تحرم من ترميم منازلها المدمرة أو شراء بديل

الرقة – نورث برس

يتصفح يوسف الياسين (38 عاماً) وهو من سكان مدينة الرقة، شمالي سوريا، على هاتفه النقال مجموعات عقارية على “فيس بوك”، باحثاً عن منزل يستطيع شرائه بالمبلغ الذي يمتلكه بدل منزله المدمر الذي باغه في حي المساكن في المدينة.

وبعد عجزه عن إعادة بناء منزله المدمر، اضطر الرجل الثلاثيني لبيعه على شكل قطعة أرض لمتعهد وبمبلغ “ضئيل” لا يسد نصف قيمة المنزل الذي يبحث عن شرائه.

ويقول إن أسعار مواد البناء مرتفعة جداً وتباع بالدولار الأميركي، ولا يوجد مردود مادي يمكّن من شرائها لإعادة إعمار منزله.

وكان المنزل قد تدمرأثناء المعارك التي دارت بين قوات سوريا الديمقراطية وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، عام 2017، إذ عمد الأخير إلى “استخدامه كمشفى ميداني وزرع فيه ألغاماً ومتفجرات”.

وفي الرقة، يعجز سكان تضررت أو تدمرت منازلهم، عن شراء منزل جديد أو إعادة ترميم منازلهم المتضررة بعد مرور أكثر من أربعة أعوام على طرد تنظيم “داعش” من المدينة، نتيجة ارتفاع أسعار مواد البناء والشقق السكنية.

ورغم حركة إعادة الإعمار التي شهدتها المدينة خلال السنوات التي تلت طرد التنظيم، إلا أن آثار الدمار الكلي والجزئي لا تزال واضحة في كثير من أحياء المدينة وبعض أسواقها.

وشهدت الرقة أحد أعنف الحروب الأكثر تدميراً في الحرب الحديثة عام 2017، حيث استمرت المعارك بين “قسد” و”داعش”، 166 يوماً، وأدت تلك المعارك إلى تدمير معظم الأبنية في المدينة إما جزئياً أو كلياً.

“أسعار مرتفعة”

وبعد طرد التنظيم من الرقة وترحيل الركام ونشاط المنظمات العاملة، تقدم “الياسين” بطلب للمنظمات التي تختص بشؤون إعادة الإعمار لمساعدته في إعادة ترميم منزله، “ولكن لم أتلقَّ أي رد شافٍ منهم”.

ويصف الرجل بلهجته المحلية حسرته على منزله قائلاً: “هذا قضاء الله وقدره شو بدي أعمل، ما طالع بالأيد شي، صح كان بيتي صغير وعلى قد حالي بس كان ساترني أنا وعيلتي أحسن ما ضل مقضيها بالأجار”.

ووصل سعر طن الإسمنت في أسواق المدينة لما يقارب 93 دولاراً أميركياً، بينما يبلغ طن الحديد المستعمل نحو 600 دولار والحديد الأوروبي المستورد يصل لنحو ألف دولار، بينما وصل سعر كل قطعة من البلوك إلى530 ليرة.

ويجد غالبية المتضررين من الحرب تلك الأسعار مرتفعة وتفوق قدرتهم الشرائية.

وبين حي وآخر من أحياء الرقة، تتفاوت أسعار الشقق السكنية والمنازل تبعاً لمقاييس المساحة والموقع وارتفاع الطوابق في الأبنية.

ويصل سعر الشقة المؤلفة من 150 متر مربع إلى ما يقارب خمسة وثلاثين ألف دولار أميركي في أحياء وسط المدينة مثل الثكنة وحي الفردوس.

وتنخفض الأسعار في أحياء أخرى مثل شارع القطار وحي الادخار، إذ يصل سعر الشقة التي تتراوح مساحتها ما بين 120 و150 متراً مربعاً، بين عشرين ألف دولار وخمسة وثلاثين ألف دولار، بحسب أصحاب مكاتب عقارية.

خيار وحيد

وكسابقه، لم يقوَ نادر الخلوف (41 عاماً) وهو من سكان الرقة، على إعادة ترميم منزله المدمر المجاور للحديقة البيضاء في المدينة، نتيجة “الأسعار غير المعقولة لمواد البناء”.

ويقول “الخلوف” إنه بحث كثيراً عن شقة منزلية بالقرب من أحياء وسط المدينة، لتكون قريبة من مكان عمله ومن مدرسة أولاده وتناسب عائلته المؤلفة من سبعة أشخاص، “لكن دون جدوى”.

ويشير إلى أنه لم يجد ما يتناسب مع ما ادّخره من مبلغ والذي يقارب ثلاثة عشر ألف دولار، ليفضل البقاء في منزل الإجار على الذهاب خارج أحياء المدينة لشراء منزل بالمبلغ الذي يمتلكه.

ويعاني أغلب سكان المدينة من هذه المشكلة، فيبقى السكن بالإيجار الخيار الوحيد أمامهم والذي بات أيضاً يرهق طاقة جيوبهم بسبب ارتفاع الإيجارات وسط ظروف معيشية صعبة.

ويرى متضررون من الحرب أنه بعد الدمار الذي لحق بالمدينة كان يفترض على الجهات المسؤولة، تخفيض أسعار مواد البناء حتى تتيح لهم فرصة إعادة إعمار منزلهم وتخفيف العبء عليهم وخاصة أن غالبيتهم دخلهم محدود ولا يملكون استطاعة لشراء منزل بديل.

ولا تختص أي مؤسسة من مؤسسات المجلس المدني في الرقة بالتدخل في سوق العقارات أو بيع وشراء المنازل، ولكن يتوقف عملها فقط على توثيق العقود وعدم التدخل في الأسعار أو توحيدها نظراً للموقع والمساحة.

ويقول سعد بوزان وهو متعهد وصاحب مكتب عقاري في الرقة، إن ارتفاع أسعار المواد أثر بشكل عام على أسعار الشقق السكنية، بسبب تكفل المتعهد بمبلغ كبير وسط موجة ارتفاع الأسعار للمواد الأساسية للإعمار.

وعموماً تشهد أسواق البيع والشراء في المكاتب العقارية أو بشكل حر، حركة تراجع كبيرة بسبب عدم توافق هذه الأسعار مع دخل السكان أو مع ما يمتلكونه من أموال وعدم كفايتها لتأمين طلبهم داخل أحياء المدينة، بحسب المتعهد.

ويشير إلى أنه يحاول قدر الإمكان تسيير أمور بيع الشقق المتواجد لديه بسبب سبات السوق وتجميد رأس المال لديه، عن طريق إقناع الزبون بالشراء “ولا يكون مجدياً أغلب الأحيان”.

إعداد: عمار حيدر- تحرير: سوزدار محمد