محللون سياسيون: قانون "قيصر" سيجبر روسيا على تقديم تنازلات أو التحايل على القانون

اسطنبول ـ نورث برس

 

تباينت آراء المحللين السياسيين حول مدى تأثر روسيا بقانون العقوبات "قيصر" الذي بموجبه تفرض الإدارة الأمريكية عقوبات مشددة على الحكومة السورية وداعميها وأبرزهم الروس والإيرانيين.

 

ففي حين رأى بعض المحللين أنه بإمكان روسيا التحايل على القانون واستمرار دعمها للأسد دون أي خسائر ملموسة، يعتقد آخرون أن هذا القانون سيجبر روسيا على تقديم تنازلات خاصة على صعيد الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد، للتوجه صوب العملية السياسية وإجراء إصلاحات اقتصادية إضافة لتقديمها تنازلات في ملفات أخرى.

 

وقال المحلل الروسي "دينيس كوركودينوف" لـ "نورث برس"، إن قانون حماية المدنيين (قيصر)، "أثار قلقاً شديداً على السياسيين والمستثمرين الروس الذين يسعون الآن بنشاط لتعزيز الانتعاش الاقتصادي لسوريا، التي هي في حالة حرجة بعد تسع سنوات من الحرب الدائرة، وستضطر القيادة السياسية والقيادة العسكرية الروسية، إلى تنفيذ سلسلة من الإصلاحات لضمان أمن أصولها المالية المستثمرة في تنمية سوريا".

 

وقال "كوروكودينوف" إنه "في الوقت نفسه وعلى الرغم من الارتباك الشديد الذي أصاب موسكو، لا يمكن لإدارة البيت الأبيض أن تخلق عقبات كبيرة أمامها لتحقيق المصالح الاقتصادية".

 

استخدام تركيا

 

وأشار أنه "بالإضافة إلى ذلك، قد تمارس موسكو ضغوطًا على واشنطن عبر تركيا، التي نددت أيضاً بقانون (قيصر) وهي قادرة على إثارة اشتباكات مباشرة في سوريا بين القوات السورية والأمريكية، لذلك فإن الولايات المتحدة في خطر شديد لأن الضغط المفرط على روسيا من خلال قانون العقوبات، يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الصراعات العسكرية في سوريا، الأمر الذي سيضعف موقف واشنطن بشكل كبير".

 

وفي وقت ألمح فيه "جيفري" إلى أنه "ثمة مؤشرات متواضعة بالتأكيد تظهر أنّ الروس بدأوا في طرح شكوك حول مسألة شراكتهم مع الأسد وأنّهم سيكونون أكثر استعداداً للتعاون مع الولايات المتحدة والأوروبيين". رأى المحلل الروسي أن "روسيا ستستمر في دعم بشار الأسد طالما أنه في السلطة، بحسب ما تم الإعلان عنه من قبل مسؤولين روس".

 

أدوات التحايل

 

وأضاف أن "موسكو مستعدة لاستخدام مجموعة واسعة من الأدوات للتحايل على العقوبات الأمريكية باستخدام الممارسات القانونية والمالية الدولية".

 

ويمكن لموسكو إعادة صياغة علاقاتها مع سوريا، وخلق هياكل بديلة لن ترتبط رسمياً مع الكرملين أو دمشق، وبفضل هذه الهياكل سيصبح التأثير السلبي لقانون قيصر على الاقتصاد والسياسة الروسية ضئيلاً، "مما سيسمح باستمرار العلاقات الروسية السورية دون أي خسائر ملموسة"، بحسب المحلل السياسي الروسي.

 

ويشكك مراقبون في وجود اتفاق على رحيل الأسد من عدمه، في ظل عقوبات "قيصر"، لكن الخلاف الأساسي يبدو في كيفية بناء المرحلة القادمة وفي شكل الدولة القادمة، هل هي دولة مركزية كما يريد الروس وتركيا، أم لامركزية مثل ما يريد الأمريكان.

 

تنازلات روسية

 

وقال المحلل السياسي والمختص بالشأن الروسي، سامر الياس، إن أهمية "قيصر" تكمن بأنه "يضيق الخناق على داعمي الأسد، ويفرض عقوبات على الشركات والأشخاص الذين يتعاملون معه من الأجانب، وهذا بطبيعة الحال يشكل تحدياً كبيراً بالنسبة لروسيا التي كانت مقتنعة بأنها تملك زمام الأمور في سوريا، على الرغم من محاولاتها الحثيثة للتخفيف من شروط  أو لرفع هذا القانون".

 

وأضاف في حديث لـ "نورث برس" أن "الجانب الروسي في موقف صعب وهو أمام خيار بأنه إذا أراد المحافظة على إنجازات حققها في سوريا منذ بداية تدخله السياسي والعسكري لدعم النظام، فإنه يجب أن يقدم بعض التنازلات من أجل تعليق تنفيذ هذا القانون القاسي".

 

وأشار إلى أن الجانب الروسي "ربما يضغط على النظام من أجل المضي في عملية التسوية السياسية، وربما نشهد قريباً تفعيلاً في عمل اللجنة الدستورية وتعاوناً أكبر من قبل النظام في هذا المشروع، أو جهوداً روسية من أجل الدفع بقضية التسوية السياسية، وإن استطاعت ذلك عن طريق مجموعة أستانا فهذا شيء جيد ولكن المطلوب هو تفعيل مسار جنيف التفاوضي".

 

ويمكن للجانب الروسي أن "يجبر النظام على تحسين الأوضاع الاقتصادية الداخلية  وسحب حواجزه العسكرية المنتشرة على الأراضي السورية وغيرها من الضغوطات"، بحسب "الياس".

 

وعلى الرغم من أن السفير الروسي والمبعوث الخاص للرئيس بوتين في دمشق "ألكسندر يفيموف" قال في تصريحات صحفية قبل أيام، إن "روسيا لن تترك سوريا في هذه الأيام العصيبة، وستفشل كل محاولات الإرهاب الاقتصادي الممارس على سوريا"، رجح المحلل السياسي "الياس" أن قانون "قيصر" سيجبر الروس على تقديم تنازلات في الملفين السوري والليبي إذا ما تم الاتفاق مع الجانب الأمريكي على صفقة ما، تكون إيجابية بالنسبة للروس.

 

وأوضح أنه "ربما تكون في جوانب إقليمية وهي تركيا، وبات معروفاً أن هناك ترابطاً بين الملفين الليبي والسوري وربما تقدم روسيا بعض التنازلات للجانب التركي في الملف الليبي من أجل تخفيف القيود على النظام ومن أجل عدم شن غارات أو هجوم من قبل الفصائل المعارضة في إدلب، أو أن تبحث عن صفقة شاملة مع أمريكا من أجل حلحلة الأمور في سوريا وغيرها".

 

ووسط تلك التطورات تتضارب تصريحات المسؤول الأمريكي "جيفري"، ففي حين رأى أن "النظام السوري لم يعد قادراً على إدارة سياسة اقتصادية فاعلة، وأن روسيا وإيران لم تعودا قادرتين على تعويم النظام، وأن الإدارة الأمريكية تسعى بموجب "قيصر" لفرض العزلة التامة على الأسد"، عاود ليصرح أمس الاثنين، بأن "الولايات المتحدة لا تطالب برحيل الرئيس السوري بشار الأسد، أو انسحاب القوات الروسية من سوريا".

 

وصرح جيفري في مؤتمر افتراضي نظمه معهد الشرق الأوسط أمس الاثنين: "ما يميز منهجنا هو أننا لا نطالب بالانتصار المطلق. لا نقول إن على الأسد أن يرحل، نؤكد أن عليه وحكومته تغيير ممارساتهم".

 

وتابع: "كما لا نقول إن الروس يجب عليهم أن يغادروا… نفضل ألا يكونوا هناك، لكن محاولات تحقيق خروجهم ليست جزءاً من سياساتنا".

 

وشدد على أن الولايات المتحدة تريد مع ذلك أن تعود الأوضاع في سوريا إلى ما كانت عليه قبل العام 2011، أي قبل دخول القوات الروسية والإيرانية.

 

وأكد أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أشار إلى أن الولايات المتحدة ستخرج في نهاية المطاف من سوريا، لكنه لا ينوي حالياً سحب قوات بلاده من هناك.

 

وفي 17 حزيران/ يونيو الجاري، دخل قانون العقوبات "قيصر" حيز التنفيذ، وأعلنت بموجبه وزارتي الخارجية والخزانة الأمريكيتين فرض عقوبات طالت شخصيات وكيانات داعمة للرئيس السوري "بشار الأسد"، كما فرضت الإدارة الأمريكية ولأول مرة عقوبات على "أسماء الأسد" زوجة الرئيس السوري.