“دروس وعبر”.. سلوكيات ومواقف سياسية ضارة

تحت عنوان “دروس وعبر” سوف أنشر سلسلة من المقالات تعيد النظر في كثير من أحداث الثورة السورية في مسعى لاستخلاص الدروس والعبر منها، سوف أبدأها بإلقاء الضوء على سلوكيات ومواقف المعارضة السورية.

إن غياب المناقبية من عمل المعارضة السورية خصوصاً تلك الناشطة في الخارج جعل كثيراً من مواقفها وسلوكياتها تخدم النظام. ما حدث مثلاً في بداية الانتفاضة ضد النظام في القاهرة من اعتداء بعض المنتمين إلى المجلس الوطني السوري، على بعض القياديين في هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديمقراطي شكل في حينه خدمة كبيرة للنظام السوري لجهة تزويده بمادة واقعية استخدمها بصورة مكثفة في خطابه الإعلامي والدعائي الموجه لجمهوره ولجمهور الصامتين على وجه الخصوص. “أنظروا (أيها السوريون) إلى المعارضة كيف تعتدي على بعضها قبل أن تكون في السلطة، فكيف سوف تتعامل معكم إذا استلمت السلطة”، مقولة عمد الإعلام السوري على تكرارها وتوظيفها في خطابه الدعائي والتحريضي.

لقد حصل الضرر، في حينه، للمعارضة وكسب النظام، رغم كل المحاولات اللاحقة للتخفيف منه بإحالة الحدث إلى أفراد “موتورين”، وبإدانته من قبل يعض مسؤولي المجلس الوطني. وما إن هدأ الحديث عن حادثة الاعتداء على أعضاء الوفد القيادي لهيئة التنسيق الوطنية بعض الشيء حتى جاء من يصب الزيت على ناره فأججها من جديد، وهذه المرة من خلال الاعتداء على أعضاء وفد من الفنانين السوريين وهيئات مدنية أخرى في المكان ذاته. وإذا كان المبرر في حادثة الاعتداء الأولى كما ذكر المعتدون أنفسهم هو منع الوفد من تقديم طلب للأمين العام للجامعة يتضمن عدم تعليق عضوية سوريا في الجامعة، وهو ما تبين أنه غير صحيح بالمطلق، فإن المبرر الذي ساقوه في الحادثة الثانية هو أن مجموعة الفنانين وصحبهم من مؤيدي النظام. مرة أخرى يجري انتهاك مبدأ حرية التعبير، ومبدأ الحق في الاختلاف، وهذا ما ألحق ضرراً جديدًا بمصداقية المعارضة، وزود وسائل إعلام النظام بمادة دعائية جديدة ذات مصداقية.

في السياق ذاته تأتي التصريحات غير المسؤولة لبعض قادة الإخوان المسلمين البارزين بأن الشعب السوري سوف يقبل التدخل العسكري التركي في سوريا لحماية السوريين وإنشاء مناطق عازلة أو فرض حظر جوي. وتندرج في الإطار ذاته تصريحات رئيس الأمانة العامة لإعلان دمشق في ذلك الوقت والعضو البارز في قيادة المجلس الوطني السوري بأن “الحرب الأهلية، أو التدخل العسكري الخارجي أهون من حكم آل الأسد، لأن الحرب الأهلية والتدخل العسكري الخارجي مؤقتان في حين حكم آل الأسد دائم”. وهو بذلك لا يعد الشعب السوري إلا بالطرق المؤدية إلى الجحيم، مما ألحق ضرراً ليس قليلاً بقضية تحرر الشعب السوري من نظامه الفاسد، وذلك من خلال الأثر السلبي الذي تركته تصريحاته على أوساط المترددين والصامتين. ومما صب الزيت على النار زيارة بعض المعارضين لإسرائيل وتصريحاتهم الودية تجاهها.

للأسف كثيرة هي المواقف والسلوكيات التي صدرت ولا تزال تصدر عن أطراف المعارضة المختلفة لا تخدم قضية الشعب السوري التي تدعي حمل لوائها سياسياً، ومن أخطرها انقسام المعارضة وتشرذمها، وتنافسها في قضية ادعاء تمثيل الشعب السوري وانتفاضته المجيدة. لقد كان كثير من شعارات الشارع المنتفض ومطالبه، أو فيما يرفعه بعض المعارضين السياسيين، لا يستند إلى رؤية تحليلية سياسية للواقع السوري، وما يسمح به، كانت له للأسف آثاره الضارة على القضية بمجملها. الأخطر من بينها كان لجوء بعض قوى الحراك الشعبي والمعارضة إلى حمل السلاح لمواجهة قوى النظام مما سمح بسيطرة القوى الجهادية والسلفية المتطرفة عليه، فصار الصراع من وجهة نظر النظام وداعميه محاربة للإرهاب، وبذلك تم القضاء نهائيا على الحلم بالتغيير.

ولكي تكتمل صورة المشهد كان لمساهمة بعض السوريين في الخارج في تشجيع الإدارة الأميركية على إصدار ما سمي بقانون “سيزر” الذي لم يؤثر واقعيا على النظام لكنه ألحق ضرراً بالغاً بحياة السوريين في الداخل، مما جعلهم يجدون بعض العذر للنظام في الضائقة الاقتصادية الحادة التي يعيشونها. وحتى الصور عن ضحايا النظام التي شكلت المبرر لإصدار القانون ذاته لم تكن موثقة جميعها، بل تبين أن بعض من نشرت صورهم لا يزالون أحياء مما شكل خدمة للنظام.

لم تدرك المعارضة بكل أطيافها للأسف أنها غير قادرة على إسقاط النظام الاستبدادي بقوة السلاح بل بالحراك السلمي والعمل المكثف على كسب الجمهور الصامت والمتردد، وحتى التأثير على جمهور النظام، لكنها بدلاً من ذلك قدمت خدمات مهمة له. السوريون بحاجة اليوم إلى معارضة تتفوق على النظام سياسيا وأخلاقيا، وهذا يتطلب التخلي عن الحسابات الضيقة وتأجيلها لامتحان صناديق الاقتراع. بداية ينبغي أن تعترف بأن الكثير من سلوكياتها ومواقفها السابقة قد خدمت النظام، وبالتالي أن تعيد نقد نفسها بجدية ومسؤولية. وثانيا عليها أن تمد يدها إلى قوى المعارضة الوطنية الديمقراطية (مسد) شرقي الفرات بدلاً من معاداتها. وثالثا ينبغي عليها أن تركز على حض الروس والأميركان على التفاهم لإيجاد حل للأزمة السورية ومساعدتهم في ذلك بالتخلي عن كل المطالب غير الواقعية والتركيز على ضرورة انفتاح النظام واطلاق سراح الموقوفين لديه والسماح بالمشاركة السياسية.