إدلب – نورث برس
في محله الواقع وسط مدينة إدلب، ينهمك مصطفى دقوس (48 عاماً) بتصليح وصناعة موقد الكاز البدائي والمعروف محلياً بـ “البابور”، بعد انقطاع عن المهنة استمر أكثر من عشر سنوات.
وكان الرجل الأربعيني، ورث المهنة عن أبيه الذي ورثها بدوره عن جده، واضطر لتركها لعدم حاجة السكان للبابور مع انتشار أسطوانات الغاز المنزلي.
ومع بداية الحرب السورية وفقدان وارتفاع أسعار أسطوانات الغاز، بدأ السكان في إدلب باستخدام البابور على الرغم من أنه يعد وسيلة قديمة وغير آمنة.
ويقول “دقوس” إن استخدام البابور ازداد أكثر خلال الأعوام القليلة الماضية وخاصة خلال العام الماضي، بسبب الغلاء الكبير الذي طرأ على سعر أسطوانة الغاز وفقدان المادة من الأسواق في معظم الأحيان.
ويشير إلى أن أسعار البوابير المقبولة وأجور تصليحها الرمزية والتي لا تتجاوز 10 ليرات تركية (2700 ليرة سورية) دفعت معظم السكان لاقتناء أصناف متنوعة من البوابير والتي تستخدم للطهي والإنارة وتسخين المياه وغيرها.
ويجني “دقوس” يومياً ما بين 50 و75 ليرة تركية (نحو عشرة آلاف ليرة سورية). وتتراوح أسعار البوابير ما بين 100 و500 ليرة تركية وذلك بحسب نوعها وجودتها.
بينما يصل سعر أسطوانة الغاز المنزلي إلى 13.8 دولار نحو 207 ليرات تركية، أي ما يقارب (56 ألف ليرة سورية) وهو سعر غير ثابت، حيث ترفع حكومة الإنقاذ، الجناح السياسي لهيئة تحرير الشام السعر كلما انخفضت قيمة الليرة التركية أمام الدولار.
وتُعتبر شركة “وتد” التي أنشأتها حكومة الإنقاذ، قبل نحو عامين، الجهة الوحيدة المسؤولة عن استيراد المحروقات إلى إدلب.
وسيلة غير آمنة
وتعتمد عائلات نازحة في مخيمات إدلب في طهي الطعام والتدفئة على موقد الكاز (البابور)، وتوضع المواقد بالقرب من الخيام بسبب الازدحام الذي تشهده بعض قطاعات المخيمات.

ويشير هؤلاء إلى أن استخدام “البابور” يؤدي في بعض الأحيان إلى حدوث حرائق تسفر عن إصابة أشخاص، إلى جانب احتراق الخيام وما تحتويها، وسط عدم توفر مطافئ ونقص الوعي بطرق مكافحة الحرائق.
ورغم ذلك، لجأ صبحي رمضان (38 عاماً) وهو نازح في مخيمات بلدة أطمة الحدودية شمال إدلب، لاستخدام
البابور بسبب عجزه عن شراء أسطوانة الغاز باستمرار وخاصة أن أسعارها باتت تفوق قدرته الشرائية.
ويشتري النازح الذي ينحدر من مدينة كفرنبل بريف إدلب الجنوبي، ليتر الكاز نوع ثاني بست ليرات تركية (نحو 1500 ليرة سورية)، حيث يكفي عائلته قرابة اليومين، “وهو اقتصادي وأوفر بكثير مقارنة مع غيره من أدوات الطهي الأخرى”.
ودائماً ما يقصد “رمضان” محال تصليح بوابير الكاز لإصلاح بابوره المصنوع من النحاس والذي ورثه عن جده، وفي أغلب الأحيان لا تتجاوز أجرة التصليح أكثر من 5 ليرات تركية، وفقاً لما يذكره لنورث برس.
مصدر رزق
وعلى مقربة من مخيمات تل الكرامة شمال إدلب، يجهد خالد العبسي (28 عاماً) وهو نازح من ريف حماة الشمالي بصناعة أشكال عديدة ومتنوعة من بوابير الكاز التي وجد فيها مهنة ساعدته على تأمين مستلزمات عائلته المؤلفة من خمسة أشخاص.
يقول الشاب العشريني إن جميع محاولاته لإيجاد فرصة عمل باءت بالفشل، حتى تعلم “كار البوابيري” وآلية صناعتها من أحد الأشخاص الذي يسكن في المخيم، وبدأ يعمل في هذه الصناعة التي تدر عليه أرباحاً وصفها بـ”الجيدة”.
ويحصل “العبسي” على 75 ليرة تركية لقاء صناعة أربعة بوابير يومياً، حيث يبيعها للتجار ومحال الأدوات المنزلية التي زادت في الطلب على هذا النوع من المواقد، بسبب الإقبال الكبير عليها.
وخلال 25 عاماً مضت، لم يترك نادر الحمود (52 عاماً) وهو من سكان مدينة الدانا شمال إدلب مهنة تصليح بوابير الكاز حتى بات يُعرف بين سكان المدينة “بنادر البوابيري” نسبةً لمهنته.
يقول الرجل الخمسيني إنه ومن خلال ممارسته الطويلة يستطيع تحديد عطل أي بابور من خلال نظرة واحدة، لافتاً إلى حرفيته وخبرته اكتسبها عبر عقود من الزمن.
ولكن البوابيري يواجه صعوبات في عمله، أبرزها تأمين أدوات ومستلزمات العمل، وسط ندرتها وغلاء أسعارها، حيث باتت تأتي من دول أخرى كتركيا وغيرها بعد أن أغلقت المعابر بين فصائل المعارضة ومناطق الحكومة السورية، بحسب “الحمود”.
ويشير لنورث برس إلى أنه لاحظ عودة هذه المهنة التي أحياها “الفقر” وتدني مستوى المعيشة وخاصة في الآونة الأخيرة، بعد احتكار “تحرير الشام” قطاع المحروقات في إدلب.