كييف ودمشق

محمد سيد رصاص

في يوم 15 شباط 2014 انتهت الجولة الثانية من مفاوضات (جنيف2) المتعلقة بالأزمة السورية بين وفد الحكومة السورية ووفد من المعارضة السورية تحت إشراف المبعوث الخاص للأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي، الذي صرح بأن هناك جولة ثالثة مرتقبة ستتناول الموضوع الأساسي في (بيان جنيف1)، الذي عقدت المفاوضات على أساسه بعد أن تبناه بكامل نصه القرار 2118 الأممي عن مجلس الأمن الدولي الصادر في 27 أيلول 2013، وهو موضوع تشكيل (هيئة الحكم الانتقالي)، كما أن الإبراهيمي قد أبلغ أوساطاً معارضة سورية بأن موضوع الاتفاق حول الفترة الانتقالية سيتم قبل عقد الانتخابات الرئاسية التي كان مقرراً عقدها بعد أشهر قليلة قبيل انتهاء الولاية الرئاسية في 17 تموز 2014.

ولكن ، في 13أيار استقال الأخضر الإبراهيمي من مهمته بعد أن شعر بأن إمكانية النجاح قد أصبحت معدومة بعد أن انهار الاتفاق الروسي- الأميركي حول سوريا، الذي أنتج اتفاق 14 أيلول 2013 حول تسليم السلاح الكيماوي السوري والذي ولد من رحمه القرار 2118 الذي نظم وجدول الاتفاق المذكور وتبنى في نصه (بيان جنيف1) ودعا على هذا الأساس إلى عقد (جنيف2).

هنا، لم يكن انهيار الاتفاق الروسي- الأميركي حول سوريا بسبب مواضيع سورية، بل بسبب ما اعتبرته موسكو أنه “ضربة أميركية لروسيا” تمت عبر إسقاط الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكيفيتش الموالي لموسكو بيوم 22 شباط وهروبه من القصر الرئاسي إثر مظاهرات عمت كييف في (الميدان)، وهو ما أنتج توتراً روسياً- أميركياً غير مسبوق منذ انتهاء الحرب الباردة في خريف 1989، وماتبع ذلك من الانفصال الفعلي لأجزاء واسعة من الشرق الأوكراني بدعم من موسكو ثم قيام الكرملين بضم شبه جزيرة القرم إلى قوام الاتحاد الروسي.

في هذا الصدد، لم يكن ممكناً فقط، بسبب ما جرى في كييف، عقد الجولة الثالثة من مفاوضات (جنيف2)، بل أنتج هذا أيضاً توتراً أميركياً- روسياً في سوريا، انعكس في زيادة دعم موسكو للسلطة السورية، عسكرياً وسياسياً، ولم تحصل أجواء جديدة بين واشنطن وموسكو في سوريا، مع استمرار تباعدهما في أوكرانيا رغم اتفاقية مينسك في شباط 2015 التي حاولت حل الأزمة الأوكرانية، سوى بعد اتفاق 14 تموز 2015 المتعلق بالملف النووي الإيراني، حيث لوحظ بعده عودة التوافق الأميركي- الروسي حول سوريا، وهو ما توج بالصمت الراضي الأميركي على التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا بدءاً من يوم 30 أيلول 2015 الذي تبعه إنتاج الكرملين والبيت الأبيض للقرار 2254 في 18 كانون الأول ومن ثم بدء مفاوضات (جنيف3) بين وفد الحكومة السورية ووفد (الهيئة العليا للمفاوضات) السورية المعارضة في يوم 29 كانون الثاني 2016، التي قام رياض حجاب بتجميدها في يوم 19 نيسان 2016 بأوامر تركية في ظل توتر علاقات أنقرة مع كل من واشنطن وموسكو، مع خشية الأتراك من أن يعقد الاتفاق السوري لحل الأزمة أثناء توتر أميركي وروسي مزدوج في العلاقات مع تركية في ظل الجدول الزمني لمفاوضات (جنيف3) التي كان القرار 2254 قد وضع سقفها بستة أشهر تنتهي في 28 تموز 2016، وبالتأكيد فإن الأتراك قد لاحظوا كيف أن التفويض الأميركي لهم بدعم المعارضة السورية، سواء كانت المسلحة أم السياسية ممثلة في “المجلس” عام 2011 ثم “الائتلاف” عام 2012، قد انتهى مع التوافق الأميركي- الروسي حول سوريا الذي بدأ باتفاق 7 أيار 2013 بين وزيري الخارجية الروسي والأميركي سيرغي لافروف وجون كيري بموسكو المتعلق بسوريا ثم أتبع باتفاق 14 أيلول 2013 حول السلاح الكيماوي السوري.

هنا، يمكن عبر ما سبق مسك الترابط بين كييف ودمشق عند الكرملين والبيت الأبيض، باعتبار أنهما اللاعبان الكبيران في الساحتين الأوكرانية والسورية، وإن كان يلاحظ في هذا الصدد أن تباعداتهما في كييف كانت أكثر من دمشق، حيث أن التوافق أو التقارب الأميركي- الروسي في الملف السوري يشمل مواضيع عديدة، منها منع وصول الإسلاميين للسلطة في دمشق، والموقف المشترك السلبي من واشنطن وموسكو تجاه الدور الإيراني في سوريا، إضافة إلى اشتراك البيت الأبيض والكرملين في علاقات وثيقة مع تل أبيب، وفي هذا الصدد يمكن ملاحظة مدى التوافق الأميركي- الروسي ضد تقدم المعارضة الإسلامية المسلحة في ربيع وصيف 2015 في محافظة ادلب ومنطقة الغاب التي كانت مدعومة من أنقرة والرياض وقتذاك في ظل تغير موقف إدارة باراك أوباما من التحالف مع الإسلاميين منذ النصف الأول من عام 2013 وهو ما سهل الانقلاب العسكري المصري على حكم الإخوان المسلمين بيوم 3 يوليو 2013 وأنتج تنحي أمير قطر قبل ذلك بأسبوع وفي ظل الاستياء السعودي من الاتفاق الأميركي- الإيراني حول الموضوع النووي وتداعياته.

هنا، لم تكن التقاربات الأميركية- الروسية في أوكرانيا بمستوى توافقاتهما في سوريا خلال سنوات 2015-2021، وعلى الأرجح أن التوتر الأوكراني بينهما هو الذي كان يدفع واشنطن وموسكو إلى إبقاء الأزمة السورية في وضعية اللاحل ،على الأقل منذ يوم انهيار مفاوضات (جنيف3) السورية، مادامت فترة 2017-2021 قد شهدت عودة التوتر الأميركي- الإيراني في منطقة الشرق الأوسط برمتها مع اتجاه إدارة ترامب للانسحاب من الاتفاق النووي الايراني ومادامت موسكو قد اتجهت في سوريا إلى تنسيق أقل مع واشنطن في ظل تحالف الروس المستجد مع الأتراك منذ زيارة أردوغان لموسكو في 9 آب 2016، وكل من يتابع مجريات الأزمة السورية خلال أحد عشر عاماً مضت من عمرها يلاحظ بأن فرص حل الأزمة الحقيقية كانت فقط لمرتين عبر (جنيف2) و(جنيف3) مع التوافق الأميركي- الروسي فيهما، فيما في فترة 2017-2021 هناك جمود ووضع للأزمة السورية في البراد الأميركي- الروسي.

الآن، مع توتر ومجابهة أميركية – روسية غير مباشرة ولكن حامية في أوكرانيا، هناك سؤال يطرح نفسه: كيف سيكون المسار القادم للأزمة السورية ؟.