قفل المخلب.. دلالات التوقيت

قفل المخلب، هو اسم العملية العسكرية التركية الجديدة ضد معاقل حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل، حيث قامت تركيا خلال العقود الثلاثة الماضية بأكثر من عشرين عملية مماثلة، وهكذا باتت قنديل بمثابة أسطورة يجتمع الأتراك عليها، بل بات حلماً لأردوغان في الوصول إليها، كلما اقترب موعد الانتخابات التركية، ومن أجل ذلك أهدر الكثير من الدماء والأرواح والأموال والعتاد.                                                    

أردوغان الذي يعتقد أن الوصول إلى قنديل، يعني الوصول إلى سنجار أيضاً، وتطويق مناطق شمال شرقي سوريا الواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية، حيث تتعرض لقصف تركي متواصل هذه الأيام، اختار توقيتاً حمل الكثير من الدلالات والمؤشرات، لعل أهمها:

  1. إن العملية التركية جاءت بعد ثلاثة أيام من زيارة قام بها رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور البازراني إلى تركيا، حيث اجتمع مع أردوغان بحضور رئيس استخباراته هاكان فيدان، ومع إجماع الطرفين على بحث القضايا الأمنية، كان لافتاً حديث وزير الدفاع التركي خلوصي أكار عن أن العملية التركية تجري بالتعاون مع أصدقاء وحلفاء تركيا، في إشارة إلى حزب الديمقراطي الكردستاني، وسط تقارير عن تنسيق عال بين الجانبين في الحرب الجارية ضد الكردستاني، وما يزيد الموقف التباساً هو صمت حكومة الإقليم إزاء هذه العملية حتى الآن.

2 – حمل اسم العملية (قفل المخلب) دلالة بارزة، إذ فهم من هدف التسمية، إغلاق مناطق عديدة على مقاتلي حزب العمال الكردستاني بهدف تأمين خطوط نقل الغاز والنفط من إقليم كردستان إلى تركيا بعد أن وضعت الأخيرة غاز إقليم كردستان نصب عينيها، وهو ما يوحي بصفقة بين الطرفين تقوم على نقل الغاز من حقلي خورمور وجمجمال في الإقليم إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا، مقابل عائدات مالية سنوية للإقليم تقدر بنحو 24 مليار دولار كما تقول التقارير، ولعل الأهمية بالنسبة للإقليم تتجاوز القيمة المالية إلى التطلع للحد من الضغوط الإيرانية عليه بهذا الخصوص، وحسم خلافات الطاقة مع بغداد من خلال الرهان على تركيا.

  •  في السياسة، يدرك أردوغان أهمية رفع شعار مكافحة الإرهاب، ومحاربة الكردستاني لزيادة شعبيته في الداخل بعد أن تراجعت كثيراً لصالح المعارضة في السنوات الأخيرة، ولعل هذه القضية تشكل جوهر كل تحركات أردوغان لطالما أن الانتخابات المقبلة هي مصيرية لمستقبله السياسي.
  • في التوقيت، جاءت العملية العسكرية التركية في ظل انشغال العالم بالحرب الروسية على أوكرانيا، وكذلك بالفراغ السياسي الذي يشهده العراق بعد فشل انتخاب رئيس جديد للبلاد ودخول الأخيرة في حالة انسداد سياسي، ولعل مثل هذا الانشغال العالمي، والانسداد العراقي، يشكلان عاملان مهمان لجهة استغلالهما من قبل أردوغان في إطلاق عمليته العسكرية الجديدة.
  •  في التوقيت أيضا، إن هذه العملية جاءت في ظل مفاوضات تركية – أميركية مكثفة، بخصوص الأزمة الروسية – الأوكرانية، ولعل أردوغان يعرف كيف يستغل الأزمات الدولية، والمواقف المطلوبة من تركيا إزاءها، للتحرك نحو أهداف يعتقد أن تصب لصالح سياسته الداخلية.                

عملية قفل المخلب، ربما أوحت لأردوغان بأنها عملية لا تضاهيها أي قيمة في التطلع إلى زيادة شعبيته في الداخل، في ظل الأعباء الكثيرة التي تعاني منها حكومته وحزبه، فهو يعتقد أن مثل هذه العملية قد تجعل منه بطلاً قومياً، ولعله هنا يستذكر لحظة دخول الجيش التركي شمال قبرص عام 1974، وهو القرار الذي أنقذ حينها حزب رئيس الوزراء التركي الراحل بولند أجاويد من الإنهيار، وجعل من أجاويد بطلاً قومياً، وهي لحظة تكررت عند اعتقال زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان عام 1998 وجاءت من جديد بأجاويد إلى رئاسة الوزراء، سيناريو ربما لا يغادر تفكير أردوغان، لطالما يعتقد أن الوصول إلى قنديل سيحقق له ما يسعى إليه في انتخابات صيف العام المقبل حيث حلمه بتركيا عام 2023. أسطورة قنديل التي تحمل من التعقيدات الجغرافية العابرة للحدود، ومن خبرة قتالية كبيرة تحصنت في الجبال وتحتها، نجحت مراراً في منع العمليات العسكرية التركية السابقة من تحقيق أهدافها، وقد تجعل من عملية قفل المخلب مجرد رقم جديد لا أكثر في سلسلة العمليات التركية، وهو ما سيعمق من لغزها في العقل السياسي التركي الذي لم يستنتج إلى الآن، أن هذا اللغز يحل في أنقرة، وعلى طاولة الحوار، وعبر الدخول في عملية سياسية لحل القضية الكردية ديمقراطياً، وكل خلاف لذلك لن يكون سوى  هدر للوقت، والأرواح، والأموال.