صناعة الحديد اليدوية تراث حلبي يواجه خطر الاندثار

حلب- نورث برس

في سوق باب الحديد بحلب القديمة، تصدح أصوات المطرقة التي يستعملها محمد سماقية (55 عاماً) أرجاء السوق، بينما ينهمك في صناعة أدوات حديدية.  

ويبدو السوق القديم المسقوف الواقع في الجهة الشمالية الشرقية من قلعة حلب شبه فارغ، فمعظم المحال والورش العتيقة التي تنتشر في السوق ويعود تاريخ بعضها لأكثر من 200 عام، إما مغلقة أو مدمرة.

ويشكو الحرفي كما جميع أصحاب الورش في السوق من عدم مساهمة الحكومة لإعادة حال السوق إلى ما كان عليه في السابق، إذ أنها لم تؤمن المواد الأولية بأسعار مناسبة ولا أوصلت الكهرباء للسوق ولم توفر الغاز الصناعي والمحروقات لتشغيل المولدات.

يستذكر “سماقية” مشهد الورش والمحال في باب الحديد قبيل الحرب، حين كان مفعماً بالعمل والحياة على عكس ما تلمسه اليوم من هدوء يصفه الرجل الخمسيني بأنه “قاتل”، ودليل على اقتراب اندثار مهنة تشكيل الحديد وصناعته يدوياً والتي ورثها أباً عن جد.

وببداية العام 2019، أعاد “سماقية” افتتاح ورشته التي تركها بمنتصف 2012 أثناء سيطرة فصائل المعارضة على حلب القديمة.

وتوقع حينها، أن تعود الأمور ولو تدريجياً وبنسبة 50٪ إلى ما كانت عليه قبل الحرب، “لكن للأسف الأمور تتجه نحو الأسوأ، فحركة العمل محصورة بعدة ورش فقط”.

10 ورش فقط

ويشير الحرفي إلى أن “الظروف الاقتصادية السيئة والإهمال الحكومي لمطالبنا يهدد أحد أهم وأعرق الحرف اليدوية الصناعية في حلب”.

وفي ورشته، يقوم “سماقية” بإعادة تشكيل الحديد وتصنيعه إلى أشكال وأدوات متعددة سواء زراعية أو صناعية، حيث يتم صهر القضبان الحديدية في الفرن المخصص للصهر.

وتوضع القضبان المنصهرة بعدها في قوالب مخصصة أو يتم تشكيلها يدوياً بحسب الأداة المراد تصنيعها سواء معول أو ورفش حفر أو فأس لتقطيع الحطب، بالإضافة لألجمة وأعقلة حديدية خاصة بالخيول وقطع تدخل في تركيب بعض الآلات الصناعية.

ويسأل الحرفي حكومته عن سبب عدم مبادرتها لتقديم الدعم وتخفيف العراقيل حتى يستمرون في الإنتاج الذي “يفوق البضائع الصينية جودة كما أنه أقل تكلفة”.

وكانت مدينة حلب تعرف بالعاصمة الاقتصادية لسوريا، ولكن خلال عقد من الحرب في سوريا، تضررت المدينة اقتصادياً بفعل القتال والقصف ونقل المعامل إلى تركيا، وتوقفت عجلة الاقتصاد وتعرض كثير من أسواقها القديمة للتدمير والحرق والنهب.

ومن بين 130 ورشة ومحلاً لتصنيع الحديد وتشكيله يدوياً، يضم سوق باب الحديد حالياً 10 ورش فقط.

“وعود وكلام فقط”

وفي ورشة مجاورة لورشة شقيقه، يتحدث حسين سماقية (47 عاماً) عن العراقيل والمصاعب التي تفرضها الحكومة على ما تبقى من حرفيي سوق الحديد.

يشتكي الرجل الأربعيني من ارتفاع السعر المستمر لخام الحديد، إضافة إلى أن التكاليف ترتفع بسبب شراء المحروقات، من السوق السوداء، وسط غياب الكهرباء النظامية.

ومنذ نحو أربعة أعوام، بدأ “سماقية” العمل في ورشته بعد أن قام بتأهيلها وصيانتها، ويشير إلى أن هناك زبائن من العراق والأردن يتواصلون معهم لشراء مستلزمات سواء لمزارع الخيول أو للمزارعين.

وكان حرفيو السوق قد طالبوا الحكومة عدة مرات بتوفير الكهرباء للسوق والغاز الصناعي والمازوت للمولدات، “لكن دون جدوى”.

وفي ذات السوق، يشتكي بكري قبانجي (50 عاماً) وهو صاحب ورشة لتشكيل الحديد من فرض الحكومة لضرائب على المواد الخام التي يتم جلبها من حماة والرسوم أثناء إرسال الإنتاج إلى المحافظات الأخرى وطلبيات لخارج البلاد.

يقول “قبانجي” باستياء، “عند إدخال أي مواد من خام الحديد، علينا أن ندفع للحواجز في مداخل حلب وندفع للجمارك والتموين والبلدية وغيرها من الجهات الحكومية مع أننا عندما نشتري هذه المواد تكون مرفقة ببيانات جمركية”.

 ويضيف: “عند إرسال طلبياتنا لزبائننا نحن ملزمون بدفع رسوم. الحكومة لا تجيد سوى قبض الأموال وفرض الرسوم أما الخدمات وأساسيات العمل الخاصة بمهنتنا وغيرها من المهن تعطينا فقط الوعود والكلام”.

إعداد: رامي صباغ – تحرير: سوزدار محمد