“بائع المعروك”.. طفل بإدلب ترك الدراسة بعد أن يتمته الحرب وأصبح معيلاً
إدلب – نورث برس
مع حلول شهر رمضان المبارك، يبدأ الطفل أحمد المهدي (14 عاماً) بمساعدة والدته مريم (40 عاماً) بتجهيز ما يلزم لإعداد “معروك رمضان” في منزلهما الثاني الواقع بالقرب من بلدة أطمة الحدودية مع تركيا شمال إدلب.
ويخرج “المهدي” كل يوم حاملاً على عربته الصغيرة قطع “المعروك”، يقصد بها سوق البلدة والساحات الرئيسية فيها، ليعود نهاية النهار ومعه ما يسد به حاجة عائلته.
وتعدُّ مريم الحضيري (45 عاماً) وهي والدة الطفل، ما يقرب الخمسين قطعة بأحجام مختلفة، ليبيع بعضها بعشر ليرات تركية وأخرى بخمس، ومنها بثلاث ليرات، بحسب ما ذهب إليه في حديث لنورث برس.
وبداية 2019، ونتيجة للقصف المتبادل بين الفصائل والقوات الحكومية، نزحت العائلة من منزلها في اللطامنة حيث تعرض حينها للقصف، واستقر بها الحال في بلدة أطمة بإدلب.
ولكن الأب، كان يذهب للعمل في مدينة اللطامنة، قبل سيطرة قوات الحكومة السورية عليها في آب/ أغسطس 2019، ليعود نهاية كل أسبوع، بسبب بعد المسافة بين أطمة واللطامنة (أكثر من 130 كيلو متر).
وكان يقيم خلال الأسبوع في منزلهم باللطامنة، إلى أن قتل في قصف آخر تعرضت له المدينة.
وفاة الأب دفعت “المهدي” مجبراً، لترك الدراسة والتوجه إلى العمل ليعيل إخوته ووالدته، يقول الطفل، بلهجة لا تخلو من الحزن: “لم أختر العمل بملء إرادتي، ظروف الحرب هي التي فرضت عليَّ أن أصبح معيلاً لإخوتي الأربعة ووالدتي، عوضاً عن أن أكون بمقاعد الدراسة”.
ورفض الطفل أن تعمل والدته وفضل تحمل المسؤولية باكراً، “عملت في مهن مختلفة منها الحدادة وجمع النايلون وتقطيع الحطب، وحتى العتالة”.
ولكن كل تلك الأعمال لم تكن مناسبة، كونها لم تكن دائمة، يقول الطفل، “كنت أعمل ليوم أو اثنين، وبعدها أبقى دون عمل لأيام، وهذا كان صعب”.
ومطلع العام الفائت، اقترحت والدة الطفل، فكرة شراء الفول وطهيه في المنزل ليبيعه ابنها أمام المدارس وفي الساحة الرئيسية، “رأيت أنها فكرة ناجحة، وتمكنت بعد ثلاثة أشهر من شراء عربة صغيرة بمبلغ 350 ليرة تركية ( نحو 90 ألف ليرة سورية) لأبدأ العمل عليها”.
ويشير الطفل إلى أنه يعمل خلال فصل الشتاء في “بيع الفول والسحلب وخلال شهر رمضان يبيع المعروك، وما تبقى من أشهر الصيف يبيع البوظة”.
ويعتري “المهدي” شعور بالفخر، وإن كان يشوبه أحيانا نوع من الحسرة على الدراسة “حين يلمَحُ أقرانه يرتادون المدرسة فيما هو منشغل بتأمين لقمة العيش لعائلته”.
ويتمكن “المهدي” في نهاية كل يوم من جمع أرباحٍ تتجاوز الخمسين ليرة تركية، في حين أن العمل في مهن أخرى مثل الأعمال التي كان يعمل بها في السابق لم تكن أجورها تتجاوز العشرين ليرة تركية”.
وتتحسر “الحضيري” والدة الطفل، وهي تتحدث عن طفلها، الذي غدا بين ليلة وضحاها معيلاً للبيت؛ “جعلته يسابق الأيام ليكبر بسرعة ويصبح شاباً قادراً على العمل”.
وتقول إحصائيات لـ”وحدة تنسيق الدعم” العاملة في مناطق شمال غربي سوريا، إن 51 بالمائة من الأطفال هم خارج المدرسة ويعملون لإعالة أسرهم، 63% منهم يعملون ضمن أعمال تتطلب جهداً.
وتضيف الأربعينية: “كنت أتمنى مستقبلاً أفضل لأبنائي، ولطالما كنت أحلم أن يكون منهم الطبيب والمهندس، لكن الحياة صعبة ومتطلباتها كثيرة، وليس كل ما نحلم به قابلاً للتحقق”.
وبكلمات أثقلها الحزن تقول: “يبدو أن أحلام البسطاء والفقراء لا تتحقق، ومكتوب علينا التهجير والمعاناة”.