أجور الموظفين في دمشق لا تسد الرّمق في رمضان

دمشق – نورث برس

يجد سهيل شهاب (31 عاماً) وهو اسم مستعار لموظف في أحد مشافي وزارة الصحة بدمشق، نفسه مضطراً لطلب العون من جمعيات خيرية لتأمين بعض الحاجيات الأساسية كالرز والبرغل وحليب الأطفال، فمرتبه لا يكفي” احتياجات طفليه لأكثر من أسبوع.

يقول الموظف الذي يبلغ راتبه 150 ألف ليرة شهرياً باستياء، “أسعار السلع في ارتفاع متزايد ودخلي لم يعد يكفي لشراء مستلزمات الأطفال، نمضي شهر رمضان الحالي بمساعدة جمعيات خيرية لكن لا أعلم ما سيحل بنا في رمضان القادم”.

وتعاني الغالبية العظمى من السوريين بما فيهم الموظفين الحكوميين، التبعات العميقة لارتفاع معدّل التضخّم.

ويضطر العديد من الموظفين للعمل بعد انتهاء دوامهم الرسمي في أعمال إضافية مختلفة، نظراً لتدني أجورهم الشهرية التي لا تسد سوى جزءاً من حاجاتهم الرئيسية في ظل ارتفاع الأسعار أضعاف مع حلول شهر رمضان.

ويرى هؤلاء أنهم يحتاجون على الأقل لما يقل عن مليون ليرة سورية لسد احتياجات عائلاتهم.

ولم تجد نور شعيتاني (21 عاماً) وهو اسم مستعار لمدرسة تعمل بساعات في مدرسة ابتدائية في بلدة عقربا بريف دمشق، سبيلاً لتخفيف من المصاريف إلا بحلولها كضيفة في منزل والديها أو والدَي زوجها بضعة مرات في الأسبوع خلال شهر رمضان.

وتتقاضى “شعيتاني” نحو 75 ألف ليرة مرتباً من مهنة التدريس، لكنه بطبيعة الحال لا يكاد يكفيها كأجور مواصلات إلى مكان عملها، لذلك توجب عليها أن تعمل كمساعدة طبيب أسنان في عيادة خاصة بأجرٍ شهري 80 ألف ليرة.

فرق أسعار

ودائماً عند السؤال عن أسعار المواد، يعود السكان بذاكراتهم إلى ما قبل الحرب، حيث كان كل شيء رخيصاً، أما اليوم فيصف البعض ارتفاع الأسعار بـ”المرّيخي” وخاصة تلك المرتبطة بشهر رمضان.

ويصل سعر كيلوغرام لحم الضأن في دمشق لنحو 31 ألف ليرة، وكان سعره نحو 500 ليرة في عام 2011، فيما يباع طبق البيض حالياً بـ14 ألف ليرة وكان منذ نحو عقد من الزمن يباع بـ 75 ليرة.

في حين ارتفع سعر كيلوغرام الرز من 25 ليرة في عام 2011 إلى 4500 ليرة خلال رمضان هذا العام، ما حرم معظم السوريين من أصناف اللحوم والدجاج والرز وغيرها.

أزمة الدخل في البلاد لا تعاني منها شعيتاني” وحدها، بل يشاركها فيها معظم السوريين، حيث وصلت القدرة الشرائية إلى حدها الأدنى بالتزامن مع تدني الرواتب في سوريا وارتفاع مستويات التضخم الاقتصادي.

والعام الماضي، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أنّ 12.4 مليون شخص في سوريا يكافحون للعثور على ما يكفيهم من الطعام، أي أن “60 بالمئة من السكان السوريين يعانون الآن انعدام الأمن الغذائي”.

مدخول لا يكفي

وفي الخامس عشر من كانون الأول/ديسمبر عام  2021 أصدر الرئيس السوري ثلاثة مراسيم تشريعية تقضي برفع رواتب وأجور وتعويضات العاملين المدنيين والعسكريين وأصحاب المعاشات التقاعدية بزيادة 30 في المئة إلى الرواتب والأجور المقطوعة لكل العاملين في الدولة من مدنيين وعسكريين.

زيادةٌ وصفها سكان في دمشق حينها، بأنّها لم تشكل فارقاً في القدرة الشرائية الفعلية، حيث تزامنت مع ارتفاع حاد لأسعار معظم السلع في الأسواق.

ويعتمد الكثير من السوريين اليوم على أكثر من مصدر مالي، كالحوالات المالية من مغتربين خارج سوريا، والاعتماد على أعمال إضافية، في حين تستغني العائلات الأشد فقراً عن أساسيات الغذاء واللباس وغيرها لتخفض من معدل الإنفاق.

ولم تسمح الظروف المعيشية السيئة لبسام عبد الرحيم (67 عاماً) من الاحتفاظ بعزة نفسه في آخر عمره، فمن مدير إحدى مدارس بلدة الحسينية في ريف دمشق قبل تقاعده إلى عامل صيانة للكهرباء نهاراً وبيع المعروك مساءً.

يقول الرّجلُ الستيني لنورث برس، إن عمله الحالي وراتبه التقاعدي لا يُتيحان له شراء الحلويات، “واقتصرت مائدتنا الرمضانية على وجبتي الإفطار والسحور مستغنين عن الكماليات كاللحوم والحلوى والفواكه”.

ولا يرغب الموظف الحكومي أن يراه أحد طلابه السابقين وهو يبيع الطعام على البسطات وفي الشوارع، فيواسي نفسه بالقول، “الشغل مو عيب، أنا مضطر لتأمين احتياجات أسرتي، فأنا المعيل الوحيد لزوجتي المريضة، ومدخولي لا يكفينا لشراء الطعام والأدوية”.

إعداد: ليلى عبد الله –  تحرير: سلمان الحربيّ