نظرات السوريين إلى الحرب في أوكرانيا

محمد سيد رصاص

ليست توزعات السوريين في الأزمة بين الموالاة والمعارضة متطابقة مع  آرائهم تجاه (حزب الله)، حيث هناك بعض الموالين يعتبرون روسيا حليفاً أفضل للسلطة السورية من حزب الله (ومعه إيران) وهناك معارضون لا ينظرون لحزب الله من خلال نظارة موقفه الداعم للسلطة السورية في الأزمة فقط بل يرونه أيضاً من خلال نظارة عدائه لإسرائيل.

لا نجد ذلك في نظرات السوريين إلى الحرب الدائرة الآن على الأرض الأوكرانية، بل نرى هناك تطابقاً في توزعات السوريين في الأزمة ونظراتهم للوضع السوري وبين توزعات آرائهم ونظراتهم للحرب في أوكرانيا، بل ويمكن القول بأن هناك إمكانية لتفسير الثانية بالأولى، ولو أن هناك قوى سياسية معارضة، مثل (هيئة التنسيق الوطنية) و(مجلس سوريا الديمقراطية – مسد)، يمكن أن لا ينطبق عليها ذلك تماماً، حيث مواقفهما أكثر مرونة ولهما مروحة واسعة في النظر لكل من الدورين الأميركي والروسي في سوريا.

خلال أكثر من شهر ونصف على اندلاع الحرب في أوكرانيا، نجد السوري الموالي للسلطة ينظر لروسيا في تلك الحرب من خلال موقف موسكو الداعم للسلطة السورية وليس من منظارٍ آخر حيث قاد التدخل العسكري الروسي عام 2015 إلى تمييل موازين القوى ضد المعارضة المسلحة، وكل مقاييس السوري الموالي التي ينظر عبرها للموضوع الأوكراني محكومة بذلك الاعتبار، حتى وهو يتحدث عبر السردية الروسية التي تسوغ “العملية العسكرية الروسية الخاصة” في أوكرانيا. هناك حالة أخرى من الموالين، نجدها عند أحزاب شيوعية متحالفة مع السلطة في “الجبهة الوطنية التقدمية” وعند شيوعيين تركوا أحزاب الجبهة ولكنهم ظلوا موالين لموسكو ثم انتقل موقفهم من الموالاة لمعارضة السلطة، تنظر لبوتين بوصفه استمراراً للتجربة السوفياتية ولو أن الرئيس الروسي في خطاب الواحد والعشرين من شباط/ فبراير الماضي عندما انتقد لينين وهاجمه قد كسر مجاديف هؤلاء، كما أن هؤلاء يشتركون مع عروبيين موالون للسلطة السورية (وهم من سوريا ومن بلدان عربية أخرى) يؤمنون بنظرية “المقاومة والممانعة” التي يستعملوها كنظارة للنظر إلى الموضوع الروسي في أوكرانيا من خلال اعتقادهم أن هذا سياق للصراع المقاوم والممانع ضد واشنطن من أجل الإطاحة بالقطبية الأميركية الأحادية للعالم نحو إقامة عالم متعدد الأقطاب، وهم يرون جميعاً أن هناك جبهة عالمية مقاومة – ممانعة ضد واشنطن تمتد من بكين إلى موسكو وطهران وتصل حتى كاراكاس ويعضدها حزب الله والحوثيون وحركة حماس، وهذه الجبهة تخوض صراعاً ضد الأميركي في جبهات متعددة، إحداها سوريا والآن أوكرانيا، وهم يرون بأن هناك دولاً تقترب من هذه الجبهة العالمية ولو بحذر، مثل الهند وجنوب أفريقيا أو رئيس الوزراء السابق في باكستان عمران خان الذي يرون أنه قد أطيح به برلمانياً مؤخراً بمؤامرة أميركية على خلفية المسافة التي اقترب فيها من موسكو وبكين.

من جهة أخرى، هناك معارضون سوريون، معظمهم في “الائتلاف” وفي بقايا التنظيمات العسكرية المعارضة الموجودة الآن في الأراضي السورية بمحافظة إدلب وشمال حلب حيث السيطرة التركية كما أن هناك عديدون يوجدون بكثرة في أوروبا ومعظمهم من بقايا “إعلان دمشق”، ينظرون للحرب في أوكرانيا من خلال عدائهم لما فعلته موسكو في سوريا بالسبع سنوات الماضية وموقفها الداعم للسلطة، وهم عندما يفعلون ذلك ومن ثم يدعمون الأوكرانيين لا يملكون سوى تلك النظارة السورية المعارضة في النظر إلى ذلك الأمر الذي يجري على بعد آلاف الكيلومترات من الأرض السورية، وهم يأملون ويراهنون بأن وقوع روسيا في المستنقع الأوكراني  أو مجابهة أميركية – روسية طويلة ستقود إلى جعل سوريا أرضاً لصراع البيت الأبيض والكرملين وبالتالي إلى انقلاب المشهد السوري الراهن لصالح المعارضة  بهذا الشكل أو ذاك بعد أن كان التوافق الأميركي- الروسي مظلة لتدخل موسكو العسكري في سوريا عام2015.

في هذين الموقفين السوريين، عند الموالاة والمعارضة، يلفت النظر اشتراكهما في نظرة للعالم هي أقرب للمانوية المثنوية التي تقسم العالم إلى أقنومي الشر والخير، حيث عند هؤلاء المشهد الدولي يقوم على وجود معسكرين، هما الصديق والعدو، ونظرتهما للصراع الدولي بين موسكو وواشنطن الآن في أوكرانيا تشبه نظرات  الشيوعي الامتثالي التابع  للكرملين في زمن بريجينيف وتشبه نظرات اليميني الموالي لواشنطن المصاب بالهلع من الخطر الشيوعي في الخمسينيات والستينيات، وكلا الطرفين المشار لهما يشبهان أنصار لفريقين في كرة القدم يتقاسمان مدرج الملعب أثناء المباراة بينهما، وتصرفاتهما تشبه ما نشاهده هناك. هما لا يشبهان رئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو والرئيس المصري جمال عبدالناصر والرئيس اليوغسلافي جوزيف بروز تيتو عندما أعلنوا “مبدأ الحياد الإيجابي” بالخمسينيات بين معسكري الحرب الباردة، ولا الشيوعيين الإيطاليين الذين كانوا معادين لواشنطن ولكن مع استقلالية ومسافة من موسكو. الشيوعي السوري الموالي للسلطة، هنا، في موقفه من حرب الكرملين في أوكرانيا هو في آلية اتخاذ موقفه أقرب لخالد بكداش الذي أثناء أزمة الحزب الشيوعي السوري بعام 1971 أطلق مصطلح “الرفاق الكبار” على السوفيات لتسويغ مطالبته بالتخلي عن مشروع البرنامج السياسي للحزب الذي وضعته لجنة منبثقة عن اللجنة المركزية للحزب لصالح “الملاحظات السوفياتية” الرافضة لمشروع البرنامج، فيما نجد الموالي للسلطة من غير الشيوعيين في موقفه من الحرب في أوكرانيا أقرب للبراغماتية النفعية حيث ينظر للروس في أوكرانيا من منظار ما قدمته موسكو للسلطة في سوريا من عون ومساعدة عسكرية ضد المعارضة المسلحة. بالمقابل فإن المعارض السوري المتحمس لزيلنسكي والكاره لبوتين لا يختلف في براغماتيته النفعية عن تلك التي نجدها عند الموالي عند تشكيل موقفه الذي هو مبني أيضاً على اعتبارات سورية محضة وخالصة ولكنه يزيد عنه في أن موقفه هذا يحوي وميض الماضي المتألم من الروس ويحوي أملاً ومراهنة في أن الحرب الأوكرانية التي قادت إلى مجابهة كبرى بين واشنطن وموسكو ستقود إلى ترجمات جديدة أميركية في سوريا ضد موسكو والسلطة السورية.

خارج الموالين والمعارضين، نجد أفراد مجتمع، تشغلهم الأوضاع الاقتصادية القاسية، لا ينظرون إلى ما يجري في أوكرانيا سوى من زاوية أنه زاد في استفحال الوضع الاقتصادي السوري سوءاً، وخاصة من ناحية رفع أسعار المواد الغذائية بحكم الحصة الكبيرة لروسيا وأوكرانيا في الإنتاج العالمي للقمح والزيت النباتي، وزاد من أسعار كل المواد المستوردة بحكم زيادة أسعار النفط والتأمين على النقل البحري. هؤلاء السوريون وهم غالبية المجتمع لا تشغلهم الاعتبارات التي نراها عند الساسة والمثقفين والمهتمين بالشأن العام في طرفي الموالاة والمعارضة.

سؤال جدير بالبحث يطرح هنا، هو: هل المجتمع في كازاكستان، التي تدخل الروس عسكرياً في بداية العام الحالي عند حصول اضطراب داخلي لصالح السلطة القائمة بها، والجيورجيون، الذين تدخل الروس عسكرياً في بلدهم لصالح الأوسيتيين ضد السلطة القائمة في العاصمة تبليسي عام 2008، ينظران للحرب القائمة الآن في أوكرانية على ضوء ما حدث في بلديهما، إسوة بالسوريين؟.