سوريا تتحول لساحة بريد.. مراقبون: الحرب في ليبيا والمقايضة في إدلب السورية

نورث برس

 

باتت الساحة السورية مركز بريد بالنسبة للأطراف الرئيسة اللاعبة في الملف السوري وخاصة روسيا وتركيا، إذ أن الطرفين يحاولان إرسال الرسائل لبعضهما البعض في حال حاول أحدهم إحراز تقدم على حساب الآخر في ليبيا.

 

وتتصدر الأحداث الدائرة في ليبيا واجهة الأحداث وقائمة الملفات بالنسبة لروسيا التي تدعم قوات الجنرال خليفة حفتر، وتركيا التي تدعم حكومة الوفاق الوطني الليبية، التي يترأسها فائز السراج، وآخرها سيطرة تلك القوات على مطار طرابلس.

 

وما إن تقدمت قوات السراج على مطار طرابلس، سارعت روسيا للرد على تركيا في منطقة إدلب، والتقدم باتجاه جبل الزاوية جنوب إدلب والسيطرة على أجزاء منه، حسب ما ذكرت مصادر محلية من إدلب.

 

ووسط كل تلك الأحداث رأى مراقبون أن ما يجري في ليبيا وإدلب السورية معاً هو "عملية مقايضة بين روسيا وتركيا عنوانها الأبرز حصول تركيا على مطار طرابلس لصالح قوات السراج مقابل أن تحصل روسيا على جبل الزاوية الاستراتيجي في منطقة إدلب".

 

سوريا ساحة بريد

 

وفي هذا الصدد، قال القيادي السابق في المعارضة السورية المسلحة، العقيد "محمد أبو فارس" لـ "نورث برس"، إن "ما يجري كله مصالح وصراع دولي على الأرض وخاصة على الساحة السورية، التي باتت ساحة بريد لإرسال واستقبال الرسائل بين الأطراف المتصارعة، فأي تقدم تركي في ليبيا يقابله تقدم روسي في إدلب".

 

وأضاف أن "الأمر يبدو هكذا بأنه مقايضة، وظهور الجولاني (متزعم هيئة تحرير الشام) في منطقة، يعني سقوطها نتيجة لتكرر الموقف".

 

وتباينت الآراء بين صفوف المعارضين السوريين، فيما إذا كانت التطورات في منطقة إدلب مرتبطة بما يجري في ليبيا عسكرياً لصالح طرف على حساب الآخر، معتبرين أن لتركيا مصالح ولروسيا أيضاً، لكن ليس لدرجة أن تكون هناك مقايضة على أي منطقة وخسرانها لصالح قوات الحكومة السورية التي تدعمها روسيا.

 

المصالح التركية واحدة

 

وقال الناشط الحقوقي المقيم في إحدى قرى ريف إدلب، "عبادة العمري" لـ"نورث برس"، إنه "من الواضح أن المصالح التركية واحدة في سوريا وليبيا ولا يمكن فصلها، فليبيا ستكون موطئ قدم هام لتركيا على المتوسط وفي مناطق النفط، وإدلب هي بوابة الحدود التركية الجنوبية".

 

وأضاف، أن "تركيا لن تتخلى عن مناطق جبل الزاوية مقابل تقدمها في ليبيا، هناك تدور معارك كسر عظم وليس تسليم واستلام، وهذه المعارك عادة تكون غير متقايضة، أي أن أي تقدم لحكومة الوفاق المدعومة من تركيا لن يقابله تراجع للنفوذ التركي في إدلب لأن هذا سيكون من الغباء السياسي، إدلب وليبيا في كفة واحدة هو الخيار الوحيد لتركيا للبقاء كلاعب أساسي في الشرق الأوسط".

 

أما الناشط السياسي المستقل الدكتور "مأمون سيد عيسى" والمقيم في إدلب قال لـ"نورث برس"، إن "هنالك حشود للجيــش التركي واستعدادات (للجبهة الوطنية) في جبل الزاوية، يتزامن ذلك مع حــشد لقوات الحكومة السورية المدعومة من روسيا على أطراف منطقة جــبل الزاوية جنوب إدلب، لكن لا توجد معارك أو تقدم للقوات أو سيطرة".

 

وأضاف أنه "لا يوجد أي مقايضة، لكن من الممكن أن يكون لدى الروس والأتراك مصالح أخرى، ومن الممكن أن تتم المقايضة في ملفات أخرى، ولكن في سوريا الوقت ضيق حيث يجب تثبيت وقف إطلاق النار وترتيب الوضع السياسي، لأن الانتخابات الرئاسية في سوريا بقي لها سنة والانتخابات الأمريكية السنة القادمة، وكل ذلك سينعكس على التطورات في إدلب".

 

وتحاول تركيا وبشكل مستمر التصعيد من لهجتها فيما يتعلق بليبيا وتتبعها بتصريحات تتعلق بإدلب، من أجل أن تصل الرسالة لروسيا التي تعمل على مواصلة دعم قوات حفتر عسكرياً ولو بشكل غير ظاهري، في تحد واضح لتركيا التي تسعى لبسط نفوذها في ليبيا، حسب مراقبين.

 

اتساق وتضاد

 

وعن رأي الطرف الليبي بتلك التطورات قال رئيس مجموعة العمل الوطني "خالد الترجمان" والمقيم في مدينة بنغازي الليبية لـ"نورث برس"، إن "المواقف الروسية التركية بقدر ما تتسق مواقفها أحياناً فهي تتضاد أحياناً أخرى، ولكن العلاقات وتبادل المصالح تحت السيطرة وما يحدث في سوريا وليبيا لدليل واضح".

 

وأضاف أن "التفاهمات في المشهد السوري أعقبها تفاهمات على الساحة الليبية أهمها إطلاق يد تركيا في نقل المرتزقة والطيران والسلاح النوعي وقيادة المعارك في غرب البلاد، والإصرار على منع السلاح عن الجيش الوطني مما جعل الأمور تسير في اتجاه تثبيت مواقع المتطرفين والإخوان في طرابلس وغيرها من المدن".

 

وأشار إلى أن "المواقف الروسية لا يمكن الاعتماد عليها في ليبيا لأن تفاهماتها مع تركيا تجعلها لا تلتفت كثيراً لما يمكن أن تقوم به تركيا من دعم للإسلاميين، وفرض سيطرتها واحتلالها للتراب الليبي ونهب الثروات".

 

ويرى مراقبون أن الحرب الدائرة في ليبيا لن يكون لها نهاية، ومن الممكن أن تمتد لسنة أو سنتين، خاصة وأن المصالح التركية لن تتوقف عند مسألة الاتفاقية التي وقعتها مع حكومة السراج بخصوص السيادة البحرية شرقي المتوسط، بل ستمتد لتوسع نفوذها على كامل ليبيا، وهذا الأمر الذي يرفضه الليبيون ويصفونه بأنه "احتلال عثماني" وأنهم سيعملون على الوقوف بوجهه مهما كلفهم الثمن.

 

ومقابل ذلك يقف السوريون في الشمال السوري، موقف المتفرج وسط الاتفاقيات التي تتم ما بين الضامن التركي والطرف الروسي من خلف الكواليس، والتي باتت نتائجها تبدو واضحة على الأرض من خلال التقدم الروسي والتراجع التركي، وكل ذلك مرتبط بشكل وثيق بما يجري في ليبيا بين الطرفين، حسب المراقبين أنفسهم.