“قصوهم برمضان”.. امرأة من الرقة تعيش آلام فقدان أبيها وشقيقها على يد “داعش”

الرقة – نورث برس

تفتقد فضيلة الأحمد (25 عاماً)، من سكان حي الدرعية في مدينة الرقة، بداية كل رمضان شقيقها وأباها مع إفطار كل يوم وسحوره، تتمنى لو أن لهما قبراً تزوره وتشكي لهما ما حل بها بعد غيابهما.

تتذكر “الأحمد” جيداً كيف داهم عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) منزل العائلة في مدينة السبخة 50 كم جنوب شرق الرقة في صيف العام 2015، ليقتادوا أباها الذي كان يبلغ آذاك (50 عاماً) وشقيقها (35 عاماً) إلى أحد معتقلات التنظيم في تلك الفترة.

وخلال العام2014 ، سيطر “داعش” على مدن وأرياف الرقة وحلب ودير الزور، ليعلن في ذات العام “الخلافة الإسلامية” على أراضٍ واسعة في عدة مدن ومناطق سورية وعراقية، وأصبحت الرقة عاصمة لتلك الخلافة المزعومة وتحولت إلى مقر قيادة التنظيم.

لم تترك العائلة وفقاً لما ترويه السيدة العشرينية لنورث برس، جهة للتنظيم إلا وتوجهت نحوها في محاولة للإفراج عن المعتقلين لكن كل محاولات العائلة باءت بالفشل مع رفض “داعش” الإفراج عنهما.

تقول “الأحمد” بينما تلف وجهها بوشاح ويجلس أطفالها بالقرب منها، إنه كلما توجه أحد من العائلة للسؤال عنهما، يخبره عناصر من “داعش” أنه من المفترض الإفراج عنهما في أول أيام عيد الفطر نهاية رمضان وأن ما يجري الآن هو تحقيقات “عادية”.

“كفار ومرتدين”

بعد أيام من الاعتقال، أخبر عناصر من “داعش” عائلة المعتقلين أن “التنظيم تثبّت من عمالة الرجلين لصالح قوات الحكومة السورية وأنهما كفار ومرتدون ومسألة القصاص منهما باتت مسألة وقت لا أكثر”.
كان رمضان 2015، صعباً وأليماً على أفراد عائلة “الأحمد”، فقد عاشوا نحو 45 يوماً في حالة من الرعب والقلق على مصير الأب والأخ، وكان لهم أمل أن لا يتم تنفيذ القصاص بحقهما.
ولكن وفي آخر أيام رمضان من ذات العام، أعلن تنظيم “داعش” عن “قِصاص” الرجلين ورفض إعطاء جثتيهما للعائلة ولم يخبر عن مكان الدفن.

وتتمنى فضيلة، لو أن التنظيم سلم العائلة الجثتين ليصار إلى دفنهما في مقبرة المدينة وتكون العائلة قادرة على الأقل زيارة قبريهما.

وترك تنظيم “داعش” في المناطق السورية التي سيطر عليها عشرات المقابر الجماعية يرجح أنها لمعتقلين كانوا بحوزة التنظيم، اكتشفت في الرقة وحدها 28 مقبرةً جماعية ضمت آلاف الجثث معظمها لم تعرف هويتها، لعدم وجود جهاز لفحص الحمض النووي (دي إن أي)، بحسب فريق الاستجابة الأولية في الرقة.

وخلّف مقتل الرجلين، عائلتان من اليتامى والأرامل، تعيشان الآن أسوء الأوضاع في الرقة، إذ تضطر النساء والأطفال للعمل لإعالة أنفسهم بعد أن فقدوا السند والمعيل، وفقاً لما تقوله “الأحمد” لنورث برس.

وفي منزل صغير يعيش أطفال الشقيق وزوجته مع عائلة “الأحمد” وحرم الأطفال من الدراسة بسبب ضيق الحالة المادية للعائلة، واضطر أكبرهم وهو بعمر الاثنا عشر عاماً للعمل لدى محل تجاري في المدينة ليساعد أمه التي تعمل أيضاً لإعالة أطفالها.

“جزاء عادل”

وبعد نحو عام، بدأت أوضاع العائلة تتفاقم سوءاً أكثر وأكثر وخاصة بعد أن حُكم على زوج “الأحمد” بالسجن لمدة خمسة أعوام بعد إدانته بالشروع بالقتل خلال مشاجرة حدثت بينه وبين شبان من حي الكتف، أحد أحياء مدينة الرقة الشعبية.

ووجدت السيدة نفسها وحيدةً وتفقد زوجها أيضاً، بعد أن فقدت أباها وشقيقها وتضطر للعمل في تنظيف المنازل والمطاعم لإعالة أطفالها الأربعة.

ترى “الأحمد” أن من المفترض أن يلقى عناصر التنظيم المعتقلين في سجون الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا “جزاءً عادلاً”، وأن تجرى لهم محاكمات على ما فعلوه بسكان المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم.

وترفض السيدة آلية خروج عناصر من التنظيم بكفالة شيوخ العشائر التي اتُبعت في شمال شرقي سوريا، لتردد عبارة “لو نحن بمكانهم ما رحمونا”، في إشارة منها إلى أنه لو الأمر بيد “داعش” لم يكن ليسامح المدنيين أو العسكريين المناوئين له.

وأخرجت قوات سوريا الديمقراطية، عدة دفعات من معتقلي تنظيم الدولة الموجودون في السجون ومخيم الهول، بعد إثبات أنه “غُرر بهم ولم تتلطخ أيديهم بالدماء”، ليخرجوا بكفالة من شيوخ العشائر.

وتحوي السجون التابعة للإدارة الذاتية الآلاف من معتقلي “داعش”، ينحدرون من أكثر من 60 جنسية أجنبية، إضافة لسوريين وعراقيين.
ويتم محاكمة عناصر التنظيم من الجنسية السورية في محكمتين في شمال شرقي سوريا، إحداهما في القامشلي والثانية في كوباني.
وترتبط هاتين المحكمتين اللتين يطلق عليهما تسمية “محكمة الدفاع عن الشعب” بشكل مباشر بمجلس العدالة لشمال وشرق سوريا، بحسب تصريحات لمسؤولين في الإدارة.

ورغم انتشال 6100 جثة من المقابر في الرقة وريفها ومرور عدة سنوات، يبقى لدى “الأحمد” أمل أن تعثر يوماً ما على مكان دفن والدها وشقيقها، فربما جثتيهما تكونان بين رفات إحدى المقابر الجماعية التي ارتكبتها “داعش”.

إعداد: عمار عبد اللطيف – تحرير: سوزدار محمد