باحث في الشؤون الأوروبية: العقوبات الأمريكية الأوروبية مصير سوريا لأجل غير محدود

واشنطن – هديل عويس – نورث برس

 

قال باحث في الشؤون الأوروبية، الاثنين، إن العقوبات الأوروبية والأمريكية هي مصير سوريا لأجل غير محدود، ولن تزيلها التغيرات السياسية في البيت الأبيض.

 

ورغم تفشي وباء كوفيد -19، الذي أضاف إلى معاناة السوريين معاناة جديدة، مضى الاتحاد الأوروبي بتمديد العقوبات ضد الحكومة السورية وذلك قبل أيام من بدء سريان مفعول عقوبات "قيصر" الأمريكية التي تستهدف سوريا.

 

وتهدف عقوبات "قيصر" بحسب الحكومة الأمريكية، إرسال رسالة قوية للأسد مفادها أن النهج العسكري واستخدام العنف والسلاح الكيميائي هو أمر غير مقبول، ولن يدفع المجتمع الدولي للقبول بالأمر الواقع الذي تحاول الحكومة السورية إرسائه.

 

العقوبات قَدَرُ سوريا

 

وقال كورناريول اديبار، الباحث في الشؤون الأوروبية، في حديث لـ"نورث برس" إن العقوبات الدولية هي "قدر سوريا في ظل الركود السياسي واستمرار الوضع الراهن الذي يحاول الأسد فرضه".

 

وأوضح "اديبار"، أن "النهاية المسدودة للطريق السياسي التي يحاول الأسد فرضها، لن يقبل بها المجتمع الدولي وستؤدي إلى عزلة ستطول ولن يغيرها الأمر الواقع".

 

ومن وجهة نظره فإن "سياسة العقوبات الأوروبية والأمريكية في سوريا متناقضة وضعيفة ويصعب عليها تحقيق الكثير، فالأسد تُرك ليحقق نصره العسكري دون أن يقوم العالم الغربي بأي تحرك يذكر لوقفه سوى تطبيق المزيد من العقوبات".

 

وأشار إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية بدت أيضاً "غير مستعدة لبذل الكثير لمنع نفوذ الأسد من التوسع بشكل أكبر، فإعلان الولايات المتحدة عن الانسحاب من شمال شرقي سوريا العام الماضي وإن كان جزئياً فإنه يقود وعلى الأقل مرحلياً وبشكل معنوي إلى فوز الأسد بالمزيد من النفوذ".

 

تأثُّر المدنيين بالعقوبات

 

تغيب الإجابات الحاسمة من الجانب الأمريكي حول تساؤلات وجِّهت للإدارة الأمريكية في الفترة الأخيرة، عن تأثير العقوبات على المدنيين السوريين ممن لم يتورطوا في جرائم حرب وتحديداً في مناطق شمال شرقي سوريا التي حاربت تنظيم "الدولة الإسلامية" بالشراكة مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، في مهمة تؤكد واشنطن باستمرار عدم انتهائها.

 

إلا أن كبير الباحثين في معهد واشنطن الأمريكي يشرح لـ"نورث برس" ما يستنتجه من تصريحات المسؤولين الأمريكيين في هذا الصدد، فيقول ديفيد بولوك، إن الاهتمام بالملف السوري من قبل واشنطن محدود في إطارين، الأول هو "الرغبة بعدم التطبيع مع الأسد الذي هو مجرم حرب وشريك للنظام الإيراني في تطبيق رؤية إيران التوسعية في الشرق الأوسط، والثاني هو الاستمرار بالقدرة على مكافحة الإرهاب والتطرف من الأراضي السورية وبالتالي ضرورة الاستمرار بالشراكة مع "قسد".

 

وتابع، "لذلك رأينا تصريحات وإن كانت خجولة من قبل المسؤولين على الملف السوري في الخارجية الأمريكية يؤكدون فيها أن المناطق المستقلة عن النظام السوري لن تتأثر في العقوبات وسيكون هناك دبلوماسية خاصة للتعامل معها".

 

استراتيجية تعويضية

 

ويرى بولوك، أن استراتيجية الإدارة الأمريكية ستكون "تعويضية" للمناطق المستقلة عن الأسد، في حين استحالة فصل شمال شرقي سوريا عن سوريا وعجلة الاقتصاد فيها".

 

وتتمثل تلك الاستراتيجية بحسب بولوك، في أن تكثف الإدارة الأمريكية من مشروعاتها التي تخصصها الخارجية لإعادة الإعمار وبناء منشآت جديدة في المناطق التابعة لـ"قسد" والبعيدة عن أي سيطرة للحكومة السورية، وبالتالي هذه المشاريع تعني "فرص عمل" وقطع أجنبي سيدخل إلى هذه المناطق في محاولة لتعويض الخسائر الناجمة عن العقوبات.

 

ووفقاً لما قاله مسؤول كبير في الخارجية الأمريكية لـ"نورث برس"، فإن الإدارة الأمريكية ستستمر بتمويل مشاريع تدعم استقرار شمال وشرقي سوريا في إطار محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، وأن "برامج المساعدة سيتم الإعلان عنها باستمرار بحسب حاجة المنطقة للمساعدات وذلك للتأكيد على تجنب ذهاب المنطقة نحو وضع اقتصادي غير مستقر".

 

أموال المشاريع

 

وأما عن الحكومة السورية، فيقول مسؤول الخارجية، أن المشاريع التي تمولها الخارجية الأمريكية والمجتمع الدولي "لن تذهب إلى مناطق نظام الأسد لأنه المسيطر المطلق على كل الأموال، وأموال أي مشاريع ستذهب إلى جيب النظام والمنتفعين منه ليتم استغلالها لشن المزيد من الهجمات ودفع رواتب للمزيد من المقاتلين للذهاب إلى المعارك"

 

وبالتالي شكل توجيه المساعدات هو أحد الأساليب المتبعة "لضمان فاعلية العقوبات في استهداف النظام ومقاتليه وليس الأبرياء من جرائم الحرب"، بحسب مسؤول الخارجية.

 

انتهاء عصر العقوبات

 

في تصريحات لتوني بلينكن، مستشار نائب الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الرئاسي جو بايدن، يؤكد بلينكن أن استراتيجية إدارة "بايدن" تجاه سوريا في حال تم انتخابه رئيساً للولايات المتحدة في انتخابات الـ2020، لن تختلف كثيراً عن استراتيجية ترامب بل أنها ستكون أكثر "تداخلية"، وسيحاول من خلالها زيادة التأثير الأمريكي في المشهد السوري.

 

ومن أهم أسس سياسات بايدن تجاه سوريا ستكون "بقاء القوات الأمريكية في شمال شرقي سوريا ومنع الأسد من الاستفادة من حقول النفط، أو التقدم لاستعادة إدلب، ورفض المضي بأي مفاوضات أمريكية مع نظام الأسد، أو رفع العقوبات قبل أن تتحقق عملية انتقال سياسي أو المضي ببعض الخطوات العملية باتجاهها"، بحسب "بلينكن".

 

إلا أنه يقول بأن بايدين يعلم أيضاً أن الولايات المتحدة بعد كل هذا التأخر في التأثير بالملف السوري لن تتمكن من إحداث تغيير جذري، "وهذه أخبار سيئة للسوريين"، بحسب "بلينكن".

 

ويرى أن المبعوث الأمريكي إلى سوريا جيمس جيفري، عبَّر عن السياسات الأمريكية المتلاحقة تجاه سوريا أفضل تعبير حين قال بأنها "سياسة المستنقع"، "أي أنها تهدف إلى إغراق أعداء الولايات المتحدة في سوريا مثل روسيا والنظام السوري بالمعاناة والمشاكل دون أن تتمكن من إحداث أي تغيير حقيقي قادر على أن ينتشل الشعب السوري من أزماته".

 

ونهاية العام الماضي، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على قانون "قيصر" لحماية المدنيين في سوريا، والذي يفرض عقوبات على ما اُرتكب في سوريا من جرائم الحرب، وذلك ضمن إقرار موازنة الدفاع الأمريكية لعام 2020.

 

وجاء في بيان وزارة الخارجية الأمريكية بخصوص هذا القانون بأنه "خطوة مهمة من أجل تعزيز المحاسبة عن الفظائع التي ارتكبها بشار الأسد ونظامه في سوريا".

 

كذلك أضاف البيان أن القانون "يساعد في وضع حدٍّ للصراع الرهيب والمستمر في سوريا من خلال تعزيز قضية مساءلة نظام الأسد"، و"يحمّل أولئك المسؤولين عن موت المدنيين على نطاق واسع وعن الفظائع العديدة في سوريا بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية وغيرها من الأسلحة الهمجية مسؤولية أعمالهم".

 

ومن المفترض أن يبدأ العمل بقانون "قيصر" في حزيران/ يونيو الجاري، والذي "سيوفر الوسيلة للولايات المتحدة للمساعدة في إنهاء الصراع في سوريا خلال تعزيز المُساءلة لنظام الأسد"، بحسب مراقبين.