قراءة في قانون تجريم التعذيب في سوريا

بعد تأخر يقارب العشر سنوات أصدر الرئيس السوري بتاريخ 29 /3 /2022 قانون تجريم التعذيب الذي كان قد أقره مجلس الشعب في جلسته المنعقدة في اليوم السابق. لقد جاء في الدستور السوري لعام 2012 في المادة 53 الفقرة 2 “لا يجوز تعذيب أحد أو معاملته معاملة مهينة، ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك”.

ما الذي استدعى إصدار هذا القانون بعد مضي كل هذه المدة على إقرار دستور عام 2012 الذي يجرم التعذيب؟ يذهب البعض (من الموالين) للقول بأن ذلك إجراء يتعلق بالإصلاح الذي يجريه النظام بين فترة وأخرى على قوانينه، في حين يذهب آخرون (من المعارضة) للقول بأن النظام يريد أن يعطي لنفسه صورة مغايرة عن حقيقته القمعية، وثمة طرف ثالث (من الموالاة والمعارضة) أجاب عن السؤال بحاجة النظام لتجاوز العديد من القوانين التي كانت تحمي الأجهزة والسلطات التي كانت تجيز التعذيب وتمارسه وذلك بناء على طلب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وغيره من المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان.

من المعلوم أن النظام السوري كان يحمي أجهزته القمعية من أي ملاحقة جزائية أو إدارية، وقد سن لذلك قوانين مناسبة. ففي عام 1969 صدر المرسوم رقم 14 الذي يحمي عناصر ومنتسبي جهاز أمن الدولة من الملاحقة القضائية إلا بموافقة مدير الإدارة. بدوره المرسوم رقم 549 لعام 1969 شمل إضافة إلى العاملين في الإدارة والمنتدبين إليها والمتعاقدين معها المعارين إليها أيضاً. وفي عام 2011 عدل بشار الأسد المادة 74 من المرسوم المذكور لتشمل عناصر الشرطة والجمارك والأمن السياسي. ولا يعرف خلال فترة حكم البعث إن أحيل أي من عناصر أمن النظام إلى المحكمة رغم كثرة الجرائم التي ارتكبتها أجهزته.

وبالعودة إلى نص قانون تجريم التعذيب فيمكن القول بأنه جيد عموماً وجاء شاملاً لكل أنواع التعذيب، واضحاً في النص على العقوبات التي يستحقها من يمارس جريمة التعذيب. فقد جاء في المادة (1) “يقصد بالتعذيب في معرض تطبيق أحكام هذا القانون كل عمل أو امتناع عن عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسدياً كان أم عقلياً يلحق بشخص ما قصداً للحصول منه أو من شخص آخر على معلومات أو اعتراف أو معاقبته على عمل ارتكبه أو تخويفه أو إكراهه على القيام بعمل ما أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب بشخص لأي سبب يقوم على التمييز أياً كان نوعه، أو عندما يحرض عليه أو يوافق عليه صراحة أو ضمناً موظف أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية كما يشمل الأفعال التي تقع من قبل شخص أو جماعة تحقيقاً لمآرب شخصية أو مادية أو سياسية أو بقصد الثأر أو الانتقام” .

 وتدرج القانون في تحديد العقوبة المستحقة بحسب نوع الجرم والأشخاص الذي وقع عليهم. ففي المادة 2-أ جعل العقوبة “ثلاث سنوات لكل من ارتكب قصداً التعذيب أو شارك فيه أو حرض عليه”، في حين رفعت الفقرة ب العقوبة إلى “ست سنوات على الأقل إذا ارتكب التعذيب من موظف أو تحت إشرافه وبرضاه بقصد الحصول على اعتراف أو إقرار عن جريمة أو معلومات”. وزاد في الفقرة ج من القانون العقوبة إلى “ثماني سنوات على الأقل إذا ارتكب التعذيب من قبل جماعة تحقيقاً لمآرب شخصية أو مادية أو سياسية أو بقصد الثأر أو الانتقام”. وتكون العقوبة “عشر سنوات على الأقل” بحسب الفقرة د، منه “إذا وقع التعذيب على موظف بسبب ممارسته لمهامه”. وبحسب الفقرة ه تصير العقوبة السجن المؤبد إذا وقع التعذيب على طفل أو شخص ذي إعاقة أو نجم عنه عاهة دائمة”، وترقى إلى الاعدام ” إذا نجم عن التعذيب موت إنسان أم تم الاعتداء عليه بالاغتصاب أو الفحشاء أثناء التعذيب أو لغايته”. وعلى أهمية العقوبات التي نصت عليها الفقرة الثانية فإن ما جاء في المادة الثالثة والرابعة والسابعة منه مهم جداً. لقد نصت المادة الثالثة على أنه “لا يعتد بأي اعتراف أو معلومات يثبت أنه تم الحصول عليها نتيجة التعذيب إلا كدليل على من مارس التعذيب”، ونصت المادة الرابعة على أنه “يحظر على أي جهة أو سلطة إصدار أوامر بالتعذيب ولا يعتد في معرض تطبيق أحكام هذا القانون بأي أوامر صادرة في هذا الشأن كمسوغ للتعذيب”. ونصت المادة السابعة على أـن تتخذ “التدابير الكفيلة بضمان الحق في تقديم الشكاوى، أو الإبلاغ عن التعذيب، وتوفير الحماية لمقدم الشكوى أو الإبلاغ عن الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، والحفاظ على السرية وحماية الشهود والخبراء وأفراد أسرهم”.

وتبقى العبرة في التنفيذ، وهو لن ينفذ. فمن المعلوم أن النظام الاستبدادي الحاكم في سوريا لم يحترم يوماً قوانينه ولا حتى دستوره. أضف إلى ذلك ما مصير المخطوفين والمغيبين والمعتقلين لدى أجهزته لمجرد تعبيرهم عن أراءهم السياسية أو ممارستهم المعارضة بطريقة سلمية. ولماذا لا يطلق سراح من أنهى مدة عقوبته بالسجن وهم كثر أيضاً. وهل ينسى السوريون جرائم التعذيب والقتل التي حصلت في السابق، والتي تنتظر العدالة الانتقالية.