رغم مخاطرها.. أطفال يعملون في حراقات نفط بدائية شمال إدلب
إدلب – نورث برس
يخرج الطفل عبيدة السفر (15 عاماً )، فجر كل يوم برفقة ثلاثة من أصدقائه من منازلهم القريبة من مدينة الدانا شمالي إدلب، للعمل في حراقاتٍ نفطية بدائية بالقرب من بلدة ترمانين المجاورة.
ومنذ سنوات تنتشر في مناطق سيطرة المعارضة السورية وهيئة تحرير الشام في شمال غربي سوريا، الحراقات النفطية التي يتم بها حرق النفط وتكريره بدائياً بطرق مبتكرة.
وتوفر تلك الحراقات البدائية فرص عمل لعشرات الأشخاص بما فيهم الأطفال وذلك على الرغم من مخاطرها الكثيرة.
ويقول الطفل “السفر” لنورث برس، إنه ومنذ نزوحه مع عائلته قبل نحو خمس سنوات من ريف حلب الجنوبي إلى المخيمات القريبة من مدينة الدانا، اضطر للعمل بمهن مختلفة لمساعدة والده في تأمين احتياجات عائلتهم.
عمل شاق فرضته الظروف
ويضيف “السفر” أن عمله في الحراقات يقتصر على النزول إلى داخل الصهاريج، التي تم وضعها تحت التراب، لإزالة الشوائب من داخلها وتنظيفها، بعد الانتهاء من عملية الحرق وتصفية النفط.
وكان الطفل شاهداً طيلة فترة عمله في هذا المكان، على وفاة ثلاثة أشخاص بينهم طفل كان يعمل معه في ذات الصهريج.
ويسهب الطفل في السرد، “دخلنا إلى الصهريج وبدأنا العمل على تنظيفه وكانت الحرارة مرتفعة بشكلٍ كبير إضافةً إلى حرارة الصهريج الذي لم يكن يمضي على تبريده أكثر من 24 ساعة وهو في فصل الصيف يحتاج لأكثر من يومين كي يبرد”.
ولكن “صاحب العمل فرض علينا النزول وبعدها بدقائق بدأت أنا وصديقي نشعر بضيق تنفس وحرارة عالية ولم نكن نقوى على الصراخ”.
وبالصدفة جاء والد “السفر” وقام بإخراجه في اللحظات الأخيرة، “إلا أن صديقي الذي كان يعاني من مرض الربو فارق الحياة”.
ويقول إبراهيم السفر (41 عاماً) وهو والد الطفل عبيدة، إن قيمة الأجور اليومية التي يتقاضاها مع طفليه تصل إلى نحو 100 ليرة تركية (ما يعادل 26 ألف ليرة سورية).
ولكن هذا المبلغ “يعد منخفضاً جداً” ولا يتناسب مع المخاطر الكبيرة التي يتعرض لها هو وطفليه أثناء عملهم.
أضرار صحية ونفسية
ويعلم “السفر” المخاطر الجسدية والنفسية للعمل في الحراقات النفطية خاصة على الأطفال. ويشير إلى أن الجسدية آخر مراحلها الموت، وأما النفسية فتبقى ترافق الطفل ربما مدى الحياة.
واستذكر “السفر” كيف تأثر طفله بوفاة صديقه في نفس المكان الذي يعملون به أمام عينيه، وما ترتب على الحادث من مشاكل نفسية على حياة الطفل.
ويعدد أنس دغيم، وهو مسؤول الرعاية الصحية الأولية في مديرية صحة إدلب الأضرار الصحية التي قد تلحق بالأطفال الذين يعملون في الحراقات النفطية.
ويقول لنورث برس: “التأثير الأكبر للعمل بهذه المهنة يقع على العين وفي بعض الأحيان يؤدي إلى فقدان البصر، إضافة لآثاره على الأنف والأذن والحنجرة و الرئتين والجهاز التنفسي، فضلاً عن مشاكل انخفاض مستوى الوعي وعدم الاستجابة وحرقة الجلد والتهيج”.
ويشير إلى أن “عمالة الأطفال تؤثر على التطور النفسي والجسدي، فهي تؤثر على تطور الطفل المعرفي نتيجة ترك المدرسة وابتعاده عن أقرانه وبالتالي انخفاض قدراته على القراءة والكتابة والحساب وقدراته الإبداعية”.
كما تؤثر على تطوره العاطفي بحيث ينخفض مستوى تقدير الذات عنده وقد يفقد ثقته بأهله ويضعف ارتباطه الأسري لوم الذات ولوم الآخرين والنقمة على المجتمع وخصوصا إذا تعرض لعنف في العمل سواء صاحب العمل أو زملائه، بحسب الطبيب.
ويضيف “دغيم”: “كما أنه قد يعاني من مشاعر خوف وتوتر وقلق من الحوادث التي قد تحدث أمامه أثناء العمل”.
ومنذ عامين أصبح سليم حاج علي (14 عاماً) وينحدر من بلدة حزرة شمال إدلب، المعيل لإخوته الأربعة ووالدته التي أنهكها المرض، وذلك بعد وفاة والده.
وفي لحظة خروجه من الصهريج، وآثار التعب والإرهاق بادية عليه، يقول: “أعمل في تنظيف الصهاريج وتجميع الفحم الذي يستخرج من داخلها، ونقله في سيارات ليتم بيعه في الأسواق”.
وكل هذا العمل والمخاطر الكبيرة فيه، إلا أن الأجر اليومي الذي يتقاضاه “حاج علي”، من صاحب الحراقة القريبة من بلدة ترمانين، لا يتجاوز الخمسين ليرة تركية (ما يعادل 13 ألف ليرة سورية).