الغلاء يرمي أطباقاً من موائد السوريين ويلغي طقوساً معتادة
دمشق/ منبج/ أعزاز- نورث برس
لا يختلف اثنان في سوريا سواء في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية أو المعارضة أو الإدارة الذاتية، على أن الغلاء رمى من موائدهم الرمضانية هذا العام العديد من الأطباق والحلويات والمشروبات، كما ألغى طقوساً وعادات متجذرة في ثقافتهم.
ويعتبر البعض أن رمضان هذا العام هو الأصعب عليهم في ظل ارتفاع أسعار المواد الأساسية وسوء الظروف المعيشية.
وقبل حلول رمضان بنحو أسبوعين، ارتفعت أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية في جميع المناطق السورية، بشكل غير مسبوق، تجاوز نسبة 50% لبعض المواد.
وتكفي جولة واحدة على الأقدام في الأسواق لملاحظة الارتفاع “المرّيخي” للمواد وخاصة تلك الخاصة برمضان، مع تباين بسيط بين منطقة وأخرى، وهو ما أثر على الحركة الشرائية، خلافاً للسنوات السابقة، حيث كانت المحال تكتظ بالزبائن.
وبلغ سعر علبة الزيت النباتي (أربعة ليترات) في مدينة منبج مع حلول رمضان، 39 ألف ليرة سورية، فيما يباع في أعزاز بـ 38 ألف ليرة، ويتراوح سعر الليتر الواحد في دمشق ما بين 13 و15 ألف ليرة سورية.
وتباع كل أربعة كيلوغرام من السمنة في منبج بـ 42ألف ليرة سورية، ويصل سعر ذات الكمية في أعزاز إلى 29 ألف ليرة وفي دمشق تباع بـ45 ألف ليرة.
وكيس البرغل الذي يزن عشرة كيلوغرام، يباع بـ 32 ألف ليرة سورية في منبج وبـ30 ألف بمدينة أعزاز، فيما يباع كل كيلوغرام بسبعة آلاف ليرة بدمشق.
عادات تضمحل
وفي دمشق، قررت نهاد العاصي من سكان حي دويلعة بدمشق الاستغناء عن عدة “كماليات” حسب وصفها، في شهر رمضان من بينها العصائر من تمر هندي وعرق سوس وغيرها.
وحالياً، تؤكد السيدة أن عائلتها تعتمد على شرب المياه أو ظروف العصائر الجاهزة، كما أن مائدتها الرمضانية تقتصر على إعداد طبق ونوع واحد من المقبلات.

وتقول “العاصي” إن “الأسعار باهظة وتنويع المشروبات يعتبر رفاهية زائدة، الوضع ليس كما أيام العز”، في إشارة منها لفترة ما قبل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها سوريا.
يدري السوري جيداً أن “أيام العز” حيث كان كل شيء رخيصاً، قد لا تعود أبداً، وخاصة أن الحرب التي توقعوا أن لا تستمر أكثر من عام، دخلت قبل نحو شهر عامها الحادي عشر والأزمات تستمر في تفاقم وحوالي 90% من السكان باتوا يقبعون تحت خط الفقر، بحسب تقارير الأمم المتحدة.
وفي السابق، كانت مائدة الإفطار في سوريا خليط متنوع من المأكولات بعضها من إعداد العائلة وبعضها الآخر من إعداد الجيران، لكن تلك العادة بدأت تضمحل وتغيب عن السوريين شيئاً فشيئاً، بحسب سكان.
أما السهرات في المطاعم والمقاهي ما بعد الإفطار، فباتت مقتصرة على ميسوري الحال، فيما ألغيت العزائم الرمضانية بنسبة كبيرة.
“لهيب الأسعار كوانا”
ويبدو أنه، وبحسب نازحين في مناطق مختلفة من سوريا، فإن النزوح والصعوبات المعيشية أفقدهم فرحة حلول شهر رمضان.
وفي أعزاز، يتساءل خالد المصطفى (36 عاماً)، اسم مستعار لنازح من ريف حمص، “ماذا يفعل المواطن الواقع بين استغلال التجار وجشعهم ولامبالاة السلطات الرقابية على الأسعار؟.
ويضيف النازح الذي لم يستطع شراء سوى بعض المواد الغذائية واستغنى عن الكثير منها، “الوضع المعيشي من سيء لأسوأ، هذا شهر الرحمة والرأفة بالفقير والشعور بالجائع وليس التضييق عليه واستغلاله”.
يعمل “المصطفى” في متجر بأعزاز، مقابل 30 ليرة تركية يومياً (8 آلاف ليرة سوريا)، ” المبلغ لم يعد يكفي لشراء ربطة خبز وكيلوغرام من البندورة وكيلوغرام من البطاطا”.
يتذكر النازح وهو والد لثلاثة أطفال، سنوات خلت، “كنا معتادون قبل حلول رمضان بأيام قليلة على شراء مواد غذائية تحضيراً لشهر الصيام، “لكن للأسف هذه السنة الأمر مختلف كلياً، لهيب الأسعار كوانا”.
ويرى “المصطفى” الذي يسكن في منزل يبلغ إيجاره 50 دولاراً ويعتمد على ما يرسله شقيقه في تركيا من أموال لدفع الإيجار، أن ارتفاع الأسعار “غير مبرر ولا مقبول”.
وفي أعزاز الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة الموالية لتركيا كما المناطق الحكومية ومناطق الإدارة الذاتية، يرى السكان أن غياب الرقابة التموينية على الأسواق و”جشع التجار” يفاقم الوضع سوءاً.
وفي مدينة منبج التي تخضع لسيطرة الإدارة الذاتية، يتهم علي الجيران ( 45عاماً)، التجار وأصحاب المحال “باستغلال” إقبال السكان الكبير على شراء المواد وزيادة الطلب لرفع الأسعار.

ويرى الرجل الأربعيني أن مديرية التموين في مدينته “عاجزة” عن تحديد الأسعار وتوحيدها بما يتناسب مع سعر التكلفة بالنسبة للتاجر والدخل الشهري للسكان.