الحلاوة بالدبس وصية جد من غوطة دمشق الشرقية

دمشق- نورث برس

على مفرق عين ترما- العباسيين، يقف لؤي الكسيح (40 عاماً) منذ أن كان طفلاً، يقدم للمارة والزبائن طبق الحلاوة التقليدي الذي تتميز به قرى الغوطة الشرقية في دمشق منذ مئات السنين وحتى الآن.

يتذكر الرجل تماماً، كيف كان يرفع قدميه عن الأرض كي يصل إلى الزبائن عندما كان يقف بجانب والده، ليأخذ النصف ليرة سورية ثمناً لصندويشة الحلاوة أو صحن الحلاوة التي ارتفع سعرها هذا العام إلى 1500 ليرة سورية ضمن جولة ارتفاعات الأسعار التي طالت كل شيء في البلاد.

يختصر “الكسيح” المعروف باسم أبو عمر، سنوات عمره التي قضاها في هذه المهنة، بالقول: “وعيت وأنا وعلى بسكليت الحلاوة”.

يبيع أبو عمر على دراجته، الحلاوة المطحونة أو السكرية كما تسمى في دمشق مع دبس العنب أو المكسرات أو السمسم حسب طلب الزبون، وبدأ ابنه بمساعدته لكي يعلمه مثلما تعلم من والده.

لؤي الكسيح يبيع الحلاوة بدبس العنب للمارة

ما يزال الزبائن رغم قلتهم يزورن أبو عمر، كي يأكلوا صحن حلاوة يومي الأحد والثلاثاء حصراً، لأنه بدأ بعمل آخر، كون المهنة لم تعد تطعمه خبزاً، على حد تعبيره.

يقول “الكسيح” إنه تعرف على رجل من حي العباسيين من عمره وما زال صديقه، تعرف عليه يوم كان يرافق والده في الخمس سنوات، ومازال صديقه ويأكل الحلاوة كل أسبوع من عنده.

ذاكرة شعبية

وللحلاوة بدبس العنب ذاكرة شعبية يرويها “الكسيح” لنورث برس، “هي أكلة شعبية شتوية تربى عليها أهل الغوطة الشرقية، يكرمون بها الضيف منذ قديم الزمن”.

ويضيف: “اعتمد عليها الأهالي منذ مئات السنين لرخص ثمنها وكونها تعطي طاقة كبيرة في الشتاء”. وكانت النساء تصنعن الدبس في الخريف، كي يكون زوادة الشتاء وبرده القارس.

ويقول الرجل: “صحن الحلاوة مع القليل من الدبس كي تبقى الحياة بطعم حلاوة أهل الغوطة”.

ويشتري أبو عمر كما ورث عن أبيه وأجداه الحلاوة (السكرية أو الطحينية) ويصنع في منزله دبس العنب ويبدأ بتقطيع الحلاوة إلى قطع صغيرة ويصب فوقها دبس العنب، يلف بعضها للناس مثل الصندويش وبعضهم يأخذوها في صحون صغيرة.

والد لؤي الكسيح وابنه 

تطورت هذه الأكلة وأضاف لها الناس كلٌ من خبراته وأنفاسه وخصوصاً المكسرات، “لكن شكلها الأصلي هو فقط باستخدام دبس العنب”.

وحالياً يضيف “الكسيح” كل أنواع المكسرات إلى العربية التي تدرجها دراجته المتوارثة عن أبيه، ليلبي طلبات الزبائن.

وفي شهادة لمحمد أنوار(70 عاماً) وهو اسم مستعار لأحد سكان الغوطة الشرقية، حول الحلاوة بالدبس، يشير إلى أنه منذ مئات السنين كانت هي الضيافة الرئيسية لأهل الغوطة وكمية دبس العنب تلعب دوراً كبيراً في مذاقها.

ويضيف، “هذا الخليط الذي جعل منه أهل الغوطة تراثاً وبدأ ينقرض يجده الناس اليوم عند حلاوة الكسيح”.

“تراث الغوطة”

وخلال الحرب، اضطر “أبو عمر” للتوقف عن العمل مدة أربع سنوات، وبعد عودته إلى بيته عاد ليزاول المهنة من جديد كنوع من الحفاظ على التراث في المنطقة.

يذكر هو الآخر أن هذه الأكلة الشعبية أو التراث المادي كما يسميه، لم يعد أحد يهتم به في الغوطة الشرقية، واعتاد الناس على أنواع جديدة من الطعام ولكنه يصر على أن تبقى الحلاوة بالدبس حاضرة “لأنها رمز للمنطقة”، حسب تعبيره.

ويحرص الرجل الأربعيني الذي ورث مهنته عن أبيه وجده، أن يورثها بدوره لابنه أيضاً، فهو يجدها من تراث الغوطة الشرقية ويجب الحفاظ عليه.

ورغم أنه يخطط لدراسة الهندسة المدنية، يَعدُ نور (15 عاماً) وهو ابن لؤي أن يورث المهنة لأولاده، لأن “هذه المهنة هي وصية جدي له”.

ابن لؤي الكسيح يساعد والده في بيع الحلاوة

وقبل أسابيع، توفي الجد تاركاً لابنه وحفيده وصية أن يحافظوا على مهنته التي قضى جل سنوات عمره وهو يحافظ عليها. ويضيف الحفيد: “حتى لو سافرت برا البلد رح قدمها للناس”.

إعداد: دهب محمد – تحرير: سوزدار محمد