حي الصّالحين في حلب.. إخلاءُ مبانٍ من سكانها دون أيّ تعويضاتٍ حكومية

حلب – نورث برس

في منزل غير مجهز “على العظم” ويفتقر لأبسط مقومات الحياة، يسكن عبد الرحيم خضير (45 عاماً)، من سكان حيّ الصالحين شرقيّ حلب، مع عائلته بعد إخلاء منزله وعجزه عن تأمين منزلٍ بديلٍ بسبب ضعف قدراته المادية.

ومنذ نحو أسبوعين، وجد “خضير”، نفسه أمام مرحلةٍ جديدةٍ من النزوح القسري، بعد أن طلبت منه لجنة السّلامة العامة المختصّة بالكشف الحسّي عن أساسات الأبنية، إخلاء منزله الذي بات معرضاً للانهيار وورود بلاغات من أحد السكان تفيد بسماع صوت في أحد الطوابق ليلاً.

بناء مهدم في حي الصالحين شرقيّ حلب- نورث برس
بناء مهدم في حي الصالحين شرقيّ حلب- نورث برس

وفي العشرين من مارس / آذار الماضي، أخلى مجلس مدينة حلب خمسة أبنية من سكانها، بعد توصيف الحالة الفنيّة لها من قبل لجنة السّلامة العامة المختصّة بالكشف الحسّي عن أساسات الأبنية.

ويقول الرجل الأربعيني وهو والد أربعة أولاد ويعمل في “العتالة” إن مصدر رزقه توقف بسبب ما فُرض عليه من ترحيلٍ قسريّ.

ولم تمهل اللجنة “خضير” إلا ساعات  قليلة فقط، لإفراغ المنزل بشكل فوري ليقوم بإخراج ما يستطيع إخراجه من الأثاث إلى المنزل الجديد، الذي غطّى أبوابه ونوافذه بقطع من الشوادر تقيه وأولاده برودة الطقس ليلاّ.

ويضيف: “تركَنَا المسؤولون في مهب الريح ولم يكترثوا لحالنا أو حتى  محاولة تأمين سَكَن لنا ونحن لا حول لنا ولا قوة”.

ويزيد “خضير” على ذلك، “من الصعب جداً في هذه الظروف أن تلجأ لأحد المعارف، حتى وإن كانوا أخوة لك لتشاركهم السكن، الأمر صعب جداً”.

إخلاءٌ وتهديم

وشمل الإخلاء الأخير خمسة أبنية قرب جامع المقداد، لتواجه اثنتان وثلاثون عائلة متضررة، مصيرها المجهول، بحسب سكان التقت بهم نورث برس.

ويعتبر حي الصالحين، من أكثر الأحياء تعرّضاً لانهيارات في المباني السكنية ما بعد الحرب، حيث تم إخلاء ما يزيد عن 67 منزلاً وأدى ذلك إلى نزوح أصحابها إلى مناطق أخرى، وفقاً لسكان في الحي.

وكسابقها، تفاجأت روان كسار (65 عاماً)، بقرار لجنة القطّاع في حي الصالحين، بإخلاء منزلها “بحجة” وجود تشقّقات في جدرانه، الأمر الذي نفته المرأة المُسنّة.

وتقول “كسار” التي تسكن في الحي منذ أربعين عاماً إنَّ “الطائرة كانت ترمي الحاويات المتفجرة من فوق منزلي ولم يتأثر بيتي ولم أخرج منه، فكيف لهم أن يخرجونني منه في هذا الوقت؟”. وتتساءل، “أين أذهب الآن.. إلى الشارع؟”.

وتعيش المرأة الستينية، بعد إخراجها عنوةً من منزلها مع ابنتها في منزل صغير لا يتجاوز الغرفتين، من غير معيل أو مصدر رزق سوى راتب زوجها التقاعدي وبعض المساعدات التي تأتيها، وفقاً لما ترويه لنورث برس.

وفي الثامن والعشرين من الشهر الماضي، عملت لجنة السلامة العامة في المجلس، على إخلاء بناء من قاطنيه بعد انهيار بناءين آخرين بالقرب منه دون منح السكان مهلة لإخراج أثاث المنزل.

وهدم عناصر قطاع البلديّة جدران منزل “كسار” رغم اعترافهم للسكان بأن البناء قد لا تحتاج للإزالة ولم تعوّض الحكومة السورية أيّاً من المهجّرين، سكنٍ مؤقّتٍ أو تعويضاتٍ أخرى ماديّة، بحسب شهود عيان تحدثوا لنورث برس.

رشاوى

وتطالب “كسار” المسؤولين بتعويض بيتها الذي “هدم من دون وجه حق، متل ما أخرجوني من بيتي بدي بيت وين أروح في حالي أنا وبنتي”.

ولكن مصدراً مسؤولاً من مجلس المدينة التقت به  نورث برس، فضل عدم نشر اسمه، قال إن “قرار الإخلاء جاء لحماية القاطنين من خطورة الانهيار، ومن واجب المجلس التدخل لمنع وقوع ضحايا”.

وأشار إلى أن المجلس يدرس تقارير متابعة لجنة السلامة العامة من قبل نقابة المهندسين، وهناك دراسة لإخلاء الحي بشكل كُليّ، إذا استدعى الأمر ذلك وتبين بأنّ هناك خطورة على السكان، دون أن يتطرق إلى موضوع التعويضات.

بناء مهدم في حي الصالحين شرقيّ حلب- نورث برس
بناء مهدم في حي الصالحين شرقيّ حلب- نورث برس

وبالعودة إلى ذات الحي، عاد  فراس عطا ( 40عاماً)، ليشارك أهله هو وعائلته منزلهم، بعد أن خسر بيته كما أقرانه السابقين.

يقول “عطا” إَّن عناصر من قطاع  البلدية أمهلوه بعض الوقت، مقابل دفع رشوة حتى يتمكن من تأمين منزل بديل.

ويشير إلى أن منزله يقع في الطابق الخامس من البناية وتم بناءه بشكل مخالف أثناء سيطرة عناصر المعارضة السورية على الحيّ بين عامي 2012 و2016.

لكن الرجل الأربعينيّ، لم يتمكن من تأمين مبلغ “الرشوة” والبالغ قدره مئتي ألف ليرة دفعةً واحدة من عمله في مشغل للخياطة وبراتب شهري يبلغ 60 ألفاً يُعيل به طفليه وزوجته.

غياب “الرشوة” دفع عناصر القطاع لهدم جدران وأجزاء من سقف منزل “عطا”  دون الاكتراث لمصير عائلته.

وأثناء الهدم، توسل الرجل إليهم مردداً، “يا جماعة نحن في شهر رمضان الخير ومقبلين على دخول العيد وإذا عندكم خير اتركوا لي بيتي لوجه الله”.

إعداد: معتز شمطة –  تحرير: سلمان الحربيّ