تل تمر – نورث برس
لا يزال مزارعو المحاصيل الاستراتيجية في أرياف مدينة الحسكة، شمال شرقي سوريا، ينتظرون المزيد من الهطولات المطرية المتأخرة هذا العام، على أمل إنقاذ محاصيلهم من الجفاف، في ظل ارتفاع تكاليف الري عبر المياه الجوفية وتأخر توزيع المازوت وقلة كمياته من الإدارة الذاتية.
وفي منحدر سلسلة جبل عبدالعزيز (جبل كزوان) غربي الحسكة، يقف المزارع محمد فلاح (60 عاماً) متأملاً محصوله من القمح والشعير على مساحة 25 دونماً.
ويقول المزارع لنورث برس، إنه يزرع مختلف أصناف المحاصيل خلال الصيف والشتاء، “لكن غياب الدعم من ناحية البذار والمحروقات وندرة الأمطار للعام الثاني توالياً، أثقل كاهلنا مادياً”.
ويشير المزارع الستيني، “المطر هذا العام قليل ونسقي أرضنا عندما يتوفر المازوت فقط”.
وأنعشت الهطولات المطرية المتأخرة من الشتاء، آمال المزارعين في إنقاذ الموسم بعد أن أودى الجفاف بكافة المحاصيل البعلية في المنطقة.
إلا أن موقع جبل عبدالعزيز الذي يحتل المرتبة الرابعة من حيث الاستقرار المطري، وفق خبراء الزراعة، لم يغير من الواقع الزراعي شيئاً ولا سيما الجفاف القاسي الذي حل بالمنطقة خلال العامين الأخيرين، حيث تحتاج الأرض إلى كميات كبيرة من الأمطار.
وأدت ندرة الأمطار إلى ارتفاع تكاليف الزراعة عموماً بشقيها البعلي والمروي، الأمر الذي أدى إلى تقلص المساحات
الزراعية في ظل غياب استراتيجية لإنقاذ المواسم الزراعية.

وإلى جانب القمح والشعير، يهتم “فلاح” بزارعة أصناف مختلفة من الخضراوات والتي من شأنها تغطية تكاليف المحاصيل الأخرى، إلا أن قلة المحروقات دفعه لشراء ألواح للطاقة الشمسية للحصول على الكهرباء كحل بديل عن مولدات الديزل لتشغيل مضخات الآبار وري محصوله الزراعي.
ودفع المزارع أكثر من ألف دولار أميركي لتركيب ألواح الطاقة الشمسية.
ويتفق المزارعون مع أصحاب الآبار الارتوازية في منطقة جبل عبدالعزيز، بأن تأخر توزيع المحروقات عليهم من قبل لجنة الزراعة في تل تمر شمال الحسكة، أضر بالقطاع الزراعي كثيراً، كونهم يعتمدون بالدرجة الأولى على الآبار.
وفي شباط/ فبراير الماضي، ألغت الإدارة الذاتية توزيع الدفعة الثانية من مازوت التدفئة وخصصت كمياتها للزارعة في المنطقة، ولكن تأخر عمليات التوزيع، دفع المزارعين لاعتماد على الآبار لسقاية محاصيلهم.
فيما يشكو الكثير من المزارعين من ارتفاع سعر المحروقات من السوق السوداء والتي يصل سعرها إلى ضعفي سعرها الأساسي في محطات الوقود.
ويقول إداريون في لجنة الزراعة بتل تمر، إنهم قبل أيام قاموا بتوزيع الدفعة الثانية من المازوت على المزارعين في المنطقة، وبكمية مليون و300 ألف ليتر.
ويرجع هؤلاء سبب التأخير، إلى الطلب الهائل على المادة خلال الشتاء في عموم مناطق شمال شرقي سوريا.
وفي قرية الهومانية بمنطقة جبل عبدالعزيز، يتفحص المزارع عزيز أحمد (52 عاماً) مزروعاته من الخضراوات الشتوية، ويشكو بدوره من زيادة تكاليف استجرار المياه من الآبار.
ويقول: “معيشتنا كلها على الخضرة، لكن دمرتنا التكاليف، الجرار يأخذ 25 ألف للدونم، بينما نشتري المازوت من السوق السوداء”.
وعلى غرار غالبية المزارعين، يعتمد “أحمد” على مولدة الديزل لضخ المياه من الآبار ومعظم كميات المحروقات لتشغيل المولدة يشتريها من السوق السوداء.
ومنذ بداية العام الزراعي، استلم “أحمد”، 300 ليتر من المازوت من لجنة الزراعة، بينما تستهلك مولدته شهرياً 600 ليتر، مما اضطر لشراء الكمية المتبقية من السوق السوداء بسعر بـ 125 ألف ليرة لكل برميل من المازوت.
ويضيف بلهجته العامية متذمراً، “أغلب مزروعاتي لم أسقها بسبب قلة المازوت”.
بينما يشير “أحمد” إلى معضلة أخرى تؤثر على مردوهم من الإنتاج الزراعي، “نشتري البذار والأكياس بالدولار، بينما تجبرنا الجهات المعنية على بيع محاصيلنا بالليرة السورية وبأسعار منخفضة”.
وأمام تراجع الواقع الزراعي، يحذر معظم المزارعين في منطقة جبل عبدالعزيز، الذين يعتمدون في معيشتهم بشكل أساسي على الزراعة إلى جانب تربية الماشية، من تهديدات الأمن الغذائي وعزوفهم عن مهنتهم.
ويختتم “أحمد” حديثه، لـنورث برس بالقول، “إذا بقي الحال هكذا، سيتدمر القطاع الزراعي كلياً”.