المنطقة إلى أين؟

تشهد المنطقة حركة دبلوماسية إقليمية مكثفة، على شكل سلسلة قمم واجتماعات لقادة عدد من الدول الفاعلة، من قمة شرم الشيخ الثلاثية في مصر، إلى اجتماع العقبة في الأردن، مروراً باجتماع النقب في إسرائيل، وبالتزامن مع هذه القمم والاجتماعات، نشهد سلسلة زيارات نوعية بين قادة دول المنطقة، كان أبرزها، زيارة الرئيس السوري، بشار الأسد، إلى الإمارات على وقع جهود عربية لإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، ومن قبل زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان إلى الإمارات، ومن ثم زيارة الرئيس الإسرائيلي اسحق هرتسوغ إلى تركيا، وسط حركة تركية مكثفة باتجاه إسرائيل والإمارات والسعودية ومصر، على شكل تحول تركي، يهدف إلى إعادة تطبيع العلاقات التركية مع هذه الدول، بعد أن تضررت كثيراً بسبب دعم حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم لجماعات الإخوان المسلمين في الدول العربية، وتحريضها ودعمها لهذه الجماعات من أجل قلب أنظمة الحكم في دولها، والاستيلاء على السلطة، وربطها بتركيا ومشروعها الإقليمي في المنطقة.                                     

هذه الحركة الدبلوماسية الإقليمية المكثفة، تبدو مرتبطة بعاملين أو حدثين مهمين، على شكل تدارك للتداعيات المنتظرة منهما:                       

الأول: التداعيات المرتبطة بالحرب الروسية على أوكرانيا على منطقة الشرق الأوسط والعالم، حيث تزداد أهمية الطاقة والغذاء في العلاقات الدولية.

الثاني: التداعيات المرتقبة للاتفاق النووي الإيراني على المنطقة وأمنها، إذ من الواضح أن إيران والولايات المتحدة حزمتا أمرهما للتوقيع على اتفاق يحيي الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه عام 2015 في عهد أوباما، قبل أن يلغيه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ويجعله بايدن أولوية لسياسته الخارجية.                                                               

بانتظار تداعيات الحدثين على المنطقة، تشعر الدول العربية، لاسيما دول الخليج العربي، وإسرائيل، بانزعاج شديد من السياسة الأميركية بهذا الخصوص، إذ ترى هذه الدول أن الإدارة الأميركية لم تأخذ هواجسها الأمنية بعين الاعتبار، لاسيما قضية عدم إدارج البرنامج الإيراني للصواريخ البالستية على جدول المفاوضات، وكذلك قضية رفع العقوبات الغربية عن إيران، والإفراج عن أموالها المجمدة في البنوك الغربية، والأهم مما سبق، إمكانية رفع الإدارة الأميركية الحرس الثوري الإيراني عن لائحة المنظمات الإرهابية، كما تشترط طهران للتوصل إلى اتفاق جديد، وعليه ترى هذه الدول أن الإدارة الأميركية قدمت تنازلات كبيرة لإيران، وأن الأخيرة ستستغل كل ما سبق، لزيادة نفوذها في ساحات العراق وسوريا ولبنان واليمن وغزة.. على حساب دول المنطقة، ومن هنا بدأت الأخيرة وكأنها تتمرد على السياسة الأميركية، سواء في كيفية التعاطي مع أزمة الحرب الروسية على أوكرانيا، أو في البحث عن تكتلات إقليمية جديدة، وتوسيع دائرة العلاقات الإقليمية مع الدول الكبرى، على رأسها روسيا والصين، اللتين لهما علاقة جيدة مع إيران.                   

في رحم هذه الخريطة الجيوسياسة التي تتشكل من جديد على وقع المتغيرات والأحداث والتحولات الجارية، تبدو المنطقة تسير نحو محورين أساسيين:                                                                       

الأول: يتألف من دول الخليج العربي، وإسرائيل، وتركيا، حيث تحاول دول هذا المحور إعادة تشكيل المنطقة من جديد، وفقا لمصالحها الثنائية والإقليمية.                                                                    

الثاني: إيران وحلفائها في العراق واليمن ولبنان وغزة، حيث تحاول إيران من خلال حلفائها تغيير بيئة المنطقة، ودفعها إلى التشكل من جديد، وفقاً لمصلحة مشروعها الإقليمي الذي يتجاوز المنطقة في حركته وأهدافه. 

واللافت، أن سوريا، وتحديداً حكومة الرئيس بشار الأسد رغم انضمامها مسبقاً في المحور الثاني، إلا أنها تبدو مع هذه الحركة الدبلوماسية تبحث عن موازنة لخياراتها، فالحركة الدبلوماسية الجارية في المنطقة، تحمل في طياتها إمكانية إعادة سوريا إلى قلب المعادلات الإقليمية من خلال مسار السلام بينها وبين إسرائيل، ولعل ما يشير إلى هذا الموضوع الجوهري، هو الحضور القوي لهذا الملف في قمة شرم الشيخ، بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، والتي جاءت عقب زيارة الأسد إلى الإمارات، وهي حركة إن خرجت إلى حيز الواقع، فقد نشهد تطورات نوعية على مسار السلام في المنطقة، في ضوء إشارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان  خلال مقابلة له مع مجلة أتلانتيك الأميركية (في الرابع من شهر آذار/ مارس الجاري) إلى استعداد السعودية للسلام والتحالف مع إسرائيل، عندما قال بالحرف (إننا لا ننظر إلى إسرائيل كعدو، بل ننظر إليها كحليف محتمل في العديد من المصالح التي يمكن أن نسعى لتحقيقها معاً).                 

في الواقع، من الواضح أن المنطقة تعيش مخاض أحداث كبرى، على وقع انتظار نتائج الحرب الروسية على أوكرانيا، وترقب لتداعيات الاتفاق النووي الإيراني المنشود، وفي كل ما سبق، لا تبدو المنطقة تسير وفق خطوات واضحة نحو الاستقرار، إذ بقدر ما تحمل هذه التطورات حركة دبلوماسية نشطة بحثاً عن ترتيبات إقليمية جديدة، بقدر ما تحمل ملامح الاصطفاف الإقليمي، واحتمالات الاشتباك والصدام، في ضوء تناقض الأجندة بين المحوريين الذين يتشكلان من جديد، ومحاولة كل محور تقوية أوراقه في مواجهة الآخر.                                                  

المنطقة إلى أين؟. سؤال لا أحد يعرف الإجابة عنه في الوقت الحالي، ولعل الإجابة لن تتضح إلا بعد معرفة الملامح النهائية للأزمة الروسية – الأوكرانية، ومآلات التوافق الأميركي – الإيراني المبدئي على اتفاق ينتظر خروج الدخان الأبيض من سماء فيينا.