أشخاصٌ كانوا ضمن صفوف “داعش” في دير الزّور يحاولون الاندماج بالمجتمع

دير الزورنورث برس

يخرج حسن العبد (35 عاماً) وهو اسم مستعار لأحد سكان ريف دير الزّور الشّرقي من المدرسة مع عدد من طلابه، عقب قبوله بلجنة التّربية والتّعليم في الإدارة الذّاتية، ليعود إلى حياته الطّبيعية بعد أنّ كان داعية في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لمدة ثلاث سنوات. 

وفي 2014، فرض تنظيم “داعش” سيطرته على 95 بالمئة من دير الزّور، ليبدأ بنشر فكره الذي يصفه ناشطون بـ”المتشدد”.

وعن انضمامه للتنظيم في 2015، يقول “العبد”: “أردت تحكيم شرع الله في الأرض، ولم أدرك أنّهم تستروا بذلك فقط”.

ويشير الرّجل إلى أنّ عمله ك”داعية” تلخص بـ”إلقاء الخطب، وحث الشّبان على الانضواء تحت راية التّنظيم، والقتال ضد المرتدين والملحدين كما أخبرهم قادتهم. عدد الذين انضموا إلى الدورات لا يحصى”.

حقيقة خرساء

وعن الفترة التي قضاها بين صفوف التّنظيم، يرى الرّجل أنها كانت كافية لـ”يكتشف زيفهم”، إذ شهد أنّ معظم ما طبقوه “إرهاب أكثر منه مشروع إسلامي”، على حد تعبيره.

ويقول: “كانوا يعتبرون من هو خارج صفوفهم كافر، وأقنعوا الشّبان أنّ الجنة ستكون من نصيبهم إن أقدموا على عمليات انتحارية، وحللوا لهم ما حرموه على غيرهم”.

وبالرغم من معرفته بحقيقتهم، لم يستطع الخروج من صفوفهم، “خشيت القصاص، إن هربت”.

وفي الثالث والعشرين من آذار/ مارس 2019، وبعد معارك عنيفة بين التّنظيم وقوات سوريا الديمقراطية، أعلنت الأخيرة طرد “داعش” من آخر معاقله في بلدة الباغوز بريف دير الزّور الشرقي.

ويقول “العبد”، إنه استغل فترة احتدام المعارك وخرج مع زوجته وأولاده الثّلاثة، إلى منطقة بلدة الشّحيل، وبقي فيها حتى الإعلان عن نهاية التّنظيم.

ولفترة من الزّمن تخفّى الرّجل، ليعود إلى منزله ويمكث فيه شهرين تقريباً، ثم يلقى القبض عليه بعد معلومات استخباراتية تؤكد تورطه مع التّنظيم، حسب  قوله.

وسجن “العبد”، لمدة عام في بلدة الكسرة شرقي دير الزّور، “خضعت لجميع الإجراءات وحققوا معي”، ليخرج بعد ذلك بكفالة عشائرية من شيوخ ووجهاء العشائر في المنطقة.

ومنذ تشرين الأول/ أكتوبر 2020، أصدر المجلس التّنفيذي بالإدارة الذّاتية، قراراً يقضي بإخراج عناصر كانوا منتسبين لـ”داعش” من السجن ومخيم الهول، ممن هم من ضمن العشيرة وفقاً لشروط معينة.

وبحسب قرار تم التوصل إليه بين قوات سوريا الديمقراطية ووجهاء العشائر في المنطقة، “يتم الإفراج عن معتقلين منتمين لصفوف التنظيم والفصائل العسكرية الأخرى، بعد التأكيد من عدم تلطخ أيدهم بدماء المدنيين ومقاتلو قواتهم، بل كانوا منتسبين لتلك الجماعات بهدف إعالة أسرهم”.

ويكشف أحد وجهاء العشائر في المنطقة الشّرقية بدير الزّور، لنورث برس، أنّ عدد من خرجوا من مخيم الهول 141 سجيناً، كانت تهمهم الانتماء أو التعاون مع “داعش”.

فرصة جديدة

وبعد خروجه، بدأ الرّجل بالتّفكير بـ”العيش بسلام”، إلا أنّ نظرات سكان منطقته إليه، وامتناع جيرانه عن زيارته والحديث معه، ومعاملة أسرته بسوء وعدم لعب الأطفال مع أولاده “يعيق ذلك”، كما يقول.

ويضيف: “هناك أشخاص ممن خرجوا معي، تركوا المنطقة ليتجنبوا نظرة المجتمع إليهم”.

وعبر تسجيل صوتي، يقول الرّئيس المُشارك للجنة الشّؤون الاجتماعية في المنطقة الشّرقية غانم النّزاع، لنورث برس، إنهم يعملون على إحصاء عدد العائلات الخارجة من السّجون والمخيمات من خلال المجالس المحلية في المنطقة.

ويضيف: “بعد الإحصاء النّهائي سيتم دراسة ملفاتهم لتقديم الدّعم المادي والمعنوي لهم، بالتّنسيق مع المنظمات العاملة بالمنطقة”.

وبحسب المسؤول، “ستحددون لجان مختصة للاطلاع على مطالب هؤلاء. نريد الإشراف عليهم لإعادتهم لحياتهم بعيداً عن الأفكار المتشددة، ومحاولة دمجهم بالمجتمع من جديد”.

ويضم مخيم الهول (40 كيلو متراً شرقي الحسكة)، ما يقارب 56750 شخصاً من اللاجئين العراقيين والسّوريين، وعائلات وعناصر تنظيم “داعش”، إضافة للأجانب المنحدرين من نحو 60 دولة.

ويعاني سليمان الصّالح ( 45 عاماً) وهو أحد سكان بلدة الباغوز شرقي دير الزّور من البطالة، بعد أنّ كان في فترة المعارك بين “داعش” و”قسد” يبيع رغيف الخبز بألف ليرة سورية لعناصر التّنظيم.

وبعد الحصار اضطر الأربعيني للخروج برفقة عائلته المكونة من أربع بنات وخمسة أولاد، فألقي القبض عليه بتهمة “التعاون مع داعش” ونقل إلى مخيم الهول، حسبما يقول.

وفي 2021، شهد مخيم الهول عدة حالات قتل لسوريين وعراقيين، على يد متشددين منتمين لتنظيم “داعش”.

ووجد الرّجل منزله مدمراً بشكل كلي، بعد خروجه من المخيم بكفالة عشائرية، لذا أجبر على استئجار منزل.

ورغم تجنب السّكان الاختلاط به بسبب “وصمة داعش” على حد تعبيره، إلا أنّ أبناء عمومته كانوا يجلسون معه دائماً، حتى تمكن تدريجياً من العودة لحياته السّابقة وعاد أطفاله إلى مقاعد الدّراسة.

ويضيف الرّجل بعبارة عامية، “هالبيوت كانت ستر وغطا علينا”، إشارة إلى أنه لا يملك مأوى آخر، وهو بحاجة لإعادة إعماره.

ويطالب “الصّالح” الإدارة الذّاتية بإيجاد حلول للسكان الذين خرجوا من مخيم الهول، ووجدوا منازلهم مدمرة.

إعداد: أنور الميدان . تحرير: آيلا ريّان