مأوى الثورة والفن.. منزل أسمهان وأمير الجبل في السّويداء ثكنة عسكرية

السّويداء- نورث برس

ما يزالُ منزلُ الفنانةِ آمال الأطرش في محافظة السّويداء المعروفةِ فنياً باسم أسمهان وزوجها، ثكنةٌ عسكريةً منذ سنين، رغم مُطالبات ورثتها والمُهتمين بفنها بتحويله إلى “دارٍ للفن”.

ويقول حفيد زوجها حسن يحيى الأطرش، وهو يسترق النّظر إلى منزل جده، لنورث برس، “تأتي أهمية هذا المنزل من كونه رمزاً للنضال التّاريخي، إضافة لأنه كان مسكناً لأسمهان يوماً”.

تزوجت أسمهان من الأمير حسن الأطرش عام 1933، لتنتقل معه إلى جبل الدّروز في سوريا، وتلقب بـ”أميرة الجبل”.

ويعتبر الباحث نجم حمزة أن مقتنيات الفنانة، هي الأهم حالياً بعيداً عن حياتها الخاصة، “نحاول الحفاظ على الصّور والوثائق التي تثبت أنّ هذه المرأة عاشت هنا في حقبة ما”.

وتنحدر الفنانة من أسرة درزية، فوالدها فهد الأطرش كان من دروز سوريا، ووالدتها الأميرة علياء المنذر درزية لبنانية.

ويشرح “الأطرش” أنّه في عام 1945، انقلب مجموعة تتألف من عشرين رجلاً تقريباً من رجال الجبل الأشداء، بقيادة جده الأمير حسن الأطرش ضد الفرنسيين.

ويصف الحفيد الانقلاب بأنه “أول نجاح” للثوار في سوريا قبل استقلالها بعام، وعلى إثره اعتقل جده ورفاقه، الضّباط الفرنسيين، وأخفوهم في هذه الدّار.

حكاية متوارثة

ولم يكتفوا بذلك، إذ يسرد “الأطرش” متحمساً لنورث برس، بقية الحكاية التي يتناقلها عن أجداده.

 “بعد ثلاث أيام من اعتقال الجنود الفرنسيين، كان جدي ورفيقه نسيب أبو عسلي أول من رفعا العلم السّوري على سطح بناء المحافظة في 29 أيار/ مايو 1945”.

ويضيف أنه “على إثر هذه الحادثة طوق الفرنسيون البرلمان السّوري في دمشق، واندلعت معارك بينهم وبين أعضاء البرلمان، ليقوم جدي بتسليم الضّباط للحكومة السّورية في دمشق آنذاك”.

وقتل في تلك المعركة 30 شرطياً من حامية البرلمان، وتهدم قسم من المبنى، وخلال ذلك نظم طلاب المعاهد والجامعات أنفسهم لنقل الجرحى إلى المستشفى ومعالجتهم، نقلاً عن وكالة عنب بلدي.

وبناء على ذلك سميت هذه الدّار التي بنيت في عهد الفرنسيين عام 1941 وسط السّويداء وتحمل رقم العقار 37/1 السّويداء الشّرقية، وتتألف من ثلاث طوابق بـ “معقل الأحرار” حسب “الأطرش”.   

ويقول “الأطرش” ، إنّ أسمهان عاشت يوماً ما في هذه الدّار، قبل أنّ تنتقل إلى دار عرى ودار القزازين بدمشق، حتى ذهابها إلى مصر، إذ تابعت بقية حياتها مع إخوتها فؤاد والفنان فريد الأطرش، ووافتها المنية بعمر الـ 31عاماً 1944.

وما تزال وفاة الفنانة محاطة بشيء من الغموض، إذ سقطت سيارة أسمهان في ترعة السّاحل برأس البر، وتوفيت هي وصديقتها، واستطاع السّائق النّجاة، وهو مفقود حتى الآن، حسب وكالات إعلامية غطت الحدث في تلك الفترة.

وفي السابع عشر من نيسان/ أبريل 1946، نالت سوريا استقلالها من الانتداب الفرنسي، بعد اندلاع الاحتجاجات، وظهور الثورات والانتفاضات المسلحة التي عمت جميع أرجاء البلاد.

حجز الدّار

وعن تحول المنزل لثكنة عسكرية يشير “الأطرش” إلى أنه في عام 1966 صدر أمر من الحكومة السّورية، بالحجز على جميع أملاك جده حسن، المنقولة وغير المنقولة، بحجة سياسية.

وتُعرف أسرة الأطرش بمواقفها الثّورية فهي ترتبط باسم “سلطان باشا الأطرش”، الذي عُرف بمعارضته للفرنسيين والأحكام الدّيكتاتورية.

ويقول: “وضعوا الكثير من الحجج الأخرى لاعتقاله، مما أجبر جدي على التّوجه للأردن”.

ويضيف: “وضعوا يدهم على الدّار وسلموها لحزب البعث، لتصبح مقراً له، ثم أعطوها للجيش الشّعبي، حتى أخذت العقار وزارة السّياحة”.

ومنذ عام 1974، تحول المنزل الذي تبلغ مساحته 2366 متراً مع الحديقة، إلى ثكنة عسكرية للجيش الشّعبي حتى 2014، إذ استولى عليه ما يعرف بـ “الدّفاع الوطني” الذي ما يزال متواجداً فيه حتى الآن، حسب سكان محليين.

ومن جانبها ترى خريجة معهد الموسيقى فرح الحلبي (25 عاماً) وهو اسم مستعار، أنّ تحويل إرث فني لموقع عسكري “أمر يدعوا للخجل”.

وتدندن فرح وهي تستمع عبر هاتفها إلى أسمهان تغني “دي ليلة الأنس في فيينا نسيمها من هوى الجنة(..) دي فيينا أوضة من الجنة”.

وتتساءل الشّابة إذا ما كانت السّلطة بكل قوتها العسكرية، بحاجة لتحويل منزل كان يخرج منه أعذب الألحان يوماً ما إلى موقع لخروج أصوات الرّصاص والمدافع ورائحة البارود.

وغنت أسمهان أكثر من 45 أغنية أشهرها “يا حبيبي تعال الحقني، محلاها عيشة الفلاح، الورد، بدع الورد، في يوم ما أشوفك، إمتي هتعرف، يا ديرتي وغيرها”, ودخلت عالم التّمثيل ومن أفلامها “انتصار الشّباب” وآخر عمل قدمته “غرام وانتقام”.

تراثٌ فني

وتعتقد “الحلبي”، أنّ هذا المنزل يجب أنّ يكون سياجه مزيناً بالزّهور، لا بإطارات السّيارات وسواتر الرّمل.

وبدوره يقول الكاتب والباحث جمال الشّوفي، لنورث برس، إنّ المنزل حافظ على قوامه في عهد الوحدة بين سوريا ومصر وخلال الانقلاب العسكري عام 1963.

واستمر ذلك حتى صدر قانون التأمين ليشمل جميع الممتلكات القديمة الخاصة، ومنها منزل أسمهان، “باعوا أثاث المنزل وحولوه لقيادة فرع الحزب بالسّويداء”.

ويشير الكاتب، وهو ينظر إلى صورٍ قديمة للفنانة أسمهان وزوجها، إلى أنّ الفن والثّقافة في سوريا “مجرد أدوات سياسية”.

ويلفت النّظر إلى أنه قبيل عام 1970 كانت السّويداء تضم ثلاثة دور سينما، وأكثر من مسرح، وعدة أندية رياضية، بينما كان هناك مسرح ومركز ثقافي وحيد تابع للسلطة.

ويضيف: “سكان السّويداء يعشقون التّراث، واهتماماتهم الأدبية كبيرة، لذا نجد بينهم حالات أدبية وفنية فردية، كان آخر ظهور بارز لها بشخص فهد بلان”.

ويرى الباحث أنّ الاهتمام بالفن “معدوم” إلا من منظور كلاسيكي كالطلائع أو الشّبيبة، “لا ينتج ذلك فناً مستقلاً، بل على العكس أغلب فناني اليوم يتعرضون للمضايقات”.

وتطال الاعتقالات الفنانين في السّويداء، وكان أشهر المعتقلين سميح شقير، حسب الكاتب.

ويقول “الشّوفي”، وهو يشير بإصبعه إلى المنزل الذي احتضن الثّورة يوماً ما، إنّ تحويله لمتحف فني وثقافي، ضرورة للمحافظة على هذا الإرث، “نريد أنّ نُري العالم أننا ما زلنا دعاة للحضارة”.

إعداد : رزان زين الدين – تحرير : آيلا ريّان