رجلٍ في الرقة كان يوماً ما ضمن صفوف “داعش” يرفض المجتمع تقبله

الرقة – نورث برس

لا يستطيع أحمد سليمان (35 عاماً) من سكان قرية كسرة فرج بريف مدينة الرّقة، متابعة حياته بشكلٍ طبيعي، إذ يشعر أنه غير مرغوب فيه بالعمل أو الحياة الاجتماعية، نظراً لأنه كان يوماً ما أحد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

وفرض “داعش” سيطرته على الرّقة وريفها في الأشهر الأخيرة من 2014، وما إن تأكد التّنظيم من إمساكه بزمام الأمور، حتى بدء بنشر الفكر الذي يصفه ناشطون بـ”المتشدد”، بذريعة أنه تطبيق للشريعة الإسلامية.

وفي أواخر 2015 انضم “سليمان” إلى “داعش” أو ما عُرف بتنظيم الدّولة الإسلامية آنذاك، وجاءت التّسمية الأخيرة للتستر بقناعٍ ديني وجذب أكبر عدد من الأشخاص للالتحاق بصفوفه، حسب سكان من الرّقة.

ومع بدء دخوله في صفوف التّنظيم معتبراً ذلك “فرصة عمل”، خضع الشّاب لمعسكر تدريبي لاستخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، في قرية العكيرشي، ليستلم موقعه كحارس على حاجز في ريف الرّقة الغربي، “كان راتبي 150 دولاراً آنذاك”.

ويشير إلى أنه بالرّغم من معارضة أسرته لهذه الخطوة، إلا أنها اكتفت بالنّصح “كان التّنظيم يلاحق معارضيه، وأي شخص يمنع أحدهم من الانضمام إليه، فإنه سيُلاحق ويسجن”.

وبنبرة يملأها الشّعور بالنّدم والخيبة يقول لنورث برس: “كنت شاباً يافعاً وطائشاً، يغلي الدّم في عروقي”.

فترةٌ قصيرة

ويعتبر سكان أنّه في تلك المرحلة، بالنّسبة للتنظيم، كان “التّجنيد في أوجه”، إذ انضم نسبة كبيرة من الشّبان من قرية كسرة فرج إلى صفوفه، فقد بعضهم حياته خلال المعارك مع قوات سوريا الديمقراطية وخاصة في كوباني.

وخلال فترة انضمامه التي يصفها بـ”القصيرة”، رأى الشّاب أنّ “التّطبيق عكس القول”، إذ شهد على عمليات القتل العلنية في السّاحات والسّرقة والنّهب، والانتهاكات الأخرى التي كان يمارسها التّنظيم.

ولم ينقطع “سليمان” عن التّواصل مع عائلته، إلا خلال الدّورة الشّرعية والتي كانت مدتها 25  يوماً، تلقى فيها بعض الدّروس عما هو “محرم أو محلل” من منظور التّنظيم، وما يستند إليه في “تكفير” بعض الأشخاص، كما يقول.

وعلى ما يبدو أنّه لم يحتمل الضّغط النّفسي ورؤية القيود التي يفرضها التّنظيم على سكان مدينته، الأمر الذي دعاه للتخطيط للهرب بعد أربعة أشهر فقط من التّخبط في أفكاره، فأخذ إجازة ولم يعد، ليهرب بعدها إلى تركيا، وفقاً لما يرويه لنورث برس.

ومن مدينة جرابلس، 110 كيلومتر شمالي حلب، دخل الأراضي التّركية للعمل، واصفاً تفكيره بالانضمام بـ”نزوة الشّباب”، التي تراجع عنها عندما اتضح أمامه خطئه.

ويذكر “سليمان” أنه عاش في تلك الفترة “لحظات الخوف الحقيقة” ففي حال أمسك التّنظيم به بطريقة ما، فإن مصيره سيكون حتماً تطبيق حكم القصاص بالموت.

وهناك عمل الثّلاثيني بمنطقة غازي عنتاب بالبساتين ومعامل الأقمشة والألبسة الجاهزة، وسكن مع مجموعة شبانِ من مدينته، حسبما يقول.

ثمنٌ مدفوع

وبعد ذلك بعام وتحديداً في السّادس من تشرين الثّاني/ نوفمبر 2016، أعلنت قوات سوريا الدّيمقراطية، بدء حملة عسكرية، بمشاركة قوات التّحالف الدولي، لإخراج “داعش” من المناطق التي يسيطر عليها ومن ضمنها الرّقة.

وفي 2017، وبعد معارك بين التّنظيم و”قسد”، أعلنت الأخيرة طرد “داعش” بشكل نهائي من مدينة الرّقة وريفها.

 وتقول منظمة العفو الدولية إنّ “الدّمار النّاجم عن المعارك لحق بأكثر من 11 ألف مبنى هناك”.

ويرى الشاب أنّ “تلك كانت مرحلة وانتهت، لكن من حولي يحملونني ذنوب الجّرائم التي ارتكبها التّنظيم، رغم أني لم أكن معهم”.

وبعد طرد التنظيم بعام، طلبت منه عائلته العودة إلى الرقة، فلبى ذلك لأنه كان راغباً بالرّجوع والعيش بشكل طبيعي، وفق قوله، وبالفعل دخل الأراضي السّورية من مناطق سيطرة المعارضة شمالي حلب، ومنها إلى منبج فالرّقة.

وفي تلك الفترة، بلغ عدد العائلات التي خرجت من مخيم الهول عائدة إلى مدينة الرقة 817 عائلة، تضم 2763 شخصاً، أغلبهم نساء وأطفال دون سن الخامسة عشر، وفق مكتب العلاقات في الرّقة. 

ويقول “سليمان”: “مكثت في قريتي الصّغيرة فترة قصيرة، قبل أنّ تقبض عليَّ قوات سوريا الدّيمقراطية، ويقتادوني إلى السّجن لمدة عشر أشهر”.

وبكفالة شيوخ عشائر في مدينة الرّقة أفرج عنه، باعتبار أنّ “يده لم تتلطخ بالدّماء”، حسب ما يقوله.

وبين العامين 2018 و2019، خرجت دفعات عدة من المُتهمين بقضايا إرهاب بعد إثبات أنّه “غُرر بهم”، آخرهم  48 شخصاً، حسب مكتب العلاقات في مجلس الرّقة المدني.

شبحُ الماضي

ويعتبر “سليمان” أنه من “غير العادل” أنّ لا يتقبله مجتمعه بعد أن اعترف بخطئه، “يتعامل معي المحيطون بي بحذرٍ شديد وتخوف، حتى أنهم نادراً ما يدعونني لحضور المناسبات الاجتماعية في القرية”.

ويقول طبيب نفسي، فضل عدم نشر اسمه، إن “عدم تقبل المجتمع لمقاتلي داعش، الذين عادوا إلى جادة الصّواب، سيترك أثراً سلبياً كبيراً في نفوس هؤلاء”.

وبعد خروجه من السّجن، بحث الشاب مطولاً عن عملِ يعيل به أسرته بعد أنّ تزوج منذ سنة وأصبح أباً لطفلة، إلا أن محاولاته باءت بالفشل، “رفض الكثيرون أنّ يعطوني عملاً بعد أنّ عرفوا قصتي”.

وذلك بالرغم من أنّ مكتب العلاقات في مجلس الرّقة، يشير إلى أنّ “الشّخص بمجرد خروجه من سجن الإدارة، لا يطلب منه مراجعة أي جهاز أو جهة أمنية، ليتمكن من العودة لحياته الطّبيعية”.

ويعتبر أطباء نفسيون في المدينة أنّ  كلمة “داعشي” وصمةٌ أنتجتها الحرب السّورية، وعلى المجتمع المدني في الرقة تجاوزها، لأن من شأنها أنّ  تتسبب بآثار “وخيمة” مستقبلاً.

والآن يقطع أحمد سليمان ما يقارب ثلاثة كيلومترات يومياً، للوصول لعمله على “بسطة خضار”، عند دوار السّاعة وسط مدينة الرّقة، ويقول وهو يقف على عربته، جملة عامية تختزل موقفه “أنا ابن اليوم، وما رح أرجع لداعش”.

إعداد: عمار عبد اللطيف – تحرير: آيْلا ريّان