الطبيب النفسي في سوريا.. إجهاد جسدي وعقلي وأعدادهم لا تتناسب مع المرضى
دمشق- نورث برس
يقضي أحمد مهند (47 عاماً) وهو طبيب نفسي يعمل في مشفى ابن رشد للأمراض العقلية، يومياً ساعات طويلة في معاينة أكثر من أربعين مريضاً، بين مقيم وآخر مراجع، الأمر الذي يسبب له الكثير من الإرهاق.
ويقول: “منذ تسع سنوات أنا وزملائي الأطباء نعاني من إرهاق جسدي وعقلي، نعمل بدوام يصل إلى 10 ساعات في اليوم، منها 7 ساعات معاينة، و3 ساعات نخصصها لكتابة التقارير الطبية”.
ويضيف: “بكل تأكيد هذا الضغط مع عمل يتطلب الكثير من التركيز والطاقة، يؤثر سلباً على سير العملية العلاجية والصحة النفسية للمرضى، حيث تصل مدة الجلسة العلاجية الواحدة إلى 45 دقيقة”.
وفي دمشق، ووفقاً لأطباء نفسيين، فإن مستشفيات الأمراض العقلية والنفسيّة تعاني من قلة عدد الأطباء، الأمر الذي يعيق وصول جميع المرضى لخدمات صحية كافية.
وفي سوريا، هناك ثلاثة مستشفيات للأمراض العقلية والنفسيّة وهي ابن خلدون في حلب وابن سينا في ريف دمشق وابن رشد في دمشق.
وهناك مستشفيان تابعان للقطاع الخاص، متخصصان بعلاج الأمراض النفسية هما مشفى البشر في حرستا، ومشفى الطب النفسي الحديث في المليحة.
وبحسب “مهند”، يضم مشفى ابن رشد طبيبين مختصين في الأمراض النفسية، وثلاثة معالجين نفسيين فقط.
ويتطلب المشفى، وجود كادر طبي يتألف من خمسة أطباء نفسيين وعشرة معالجين وداعمين نفسيين في المشفى، كحد أدنى، بحسب “مهند”، وخاصة أن الطاقة الاستيعابية للمشفى تبلغ حوالي 40 مريضاً مقيماً، إلى جانب استقبال ما يقارب ٣5 مريضاً من الخارج يومياً.
فيما يضم مشفى ابن سينا ثلاثة أو أربعة أطباء نفسيين و13 معالجاً نفسياً ويضم نحو 600 مريض، بحسب “مهند”.
“إحصائيات غائبة”
ويعلق الطبيب النفسي على دور وزارة الصحة بالقول: “لم تفعل شيئاً بعد كل هذا التقاعس، سوى أنها وافقت على عمل عدد من المنظمات غير الحكومية العاملة في المجال النفسي، لتخفيف العبء عن المشافي الحكومية”.
ويضيف: “لكن الأمر زاد سوءاً بسبب استغلالهم للمرضى وتقديم الخدمات العلاجية بأسعار خيالية”.
ويشير “مهند” إلى أن وزارة الصحة العامة، “لم تبذل ما يجب من جهد لتوفير الموارد البشرية والمادية اللازمة لمشفى ابن رشد، لذا لا يتمكنون من القيام بعملهم على نحو جيد”.
ويرجع المختص النفسي، قلة الأطباء النفسيين في سوريا إلى هجرة معظمهم نتيجة الحرب، إلى جانب الإقبال الضعيف على هذه المهنة من قبل الخريجين الجدد، بسبب طبيعة العمل الصعبة وقلة مردوده المادي.
إلى جانب، أن معظم الأطباء النفسيين يفضلون العمل في المنظمات والمشافي غير الحكومية، “باعتبارها توفر لهم ما يصبون إليه من الراحة والمال، الذي يفتقده الطبيب في المشافي الحكومية”، بحسب قول “مهند”.
ولا تتوفر إحصائيات حديثة عن عدد الأطباء النفسيين في مناطق سيطرة الحكومة السورية وتعود آخر إحصائية إلى 2018، حين صرح مدير الصحة النفسية في وزارة الصحة، رمضان محفوري، أن عدد الأطباء النفسيين في سوريا لا يتجاوز 73 طبيباً نفسياً.
وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية في عام 2019، إلى أن واحداً من كل 30 شخصاً في سوريا يعاني من حالة صحية نفسية وخيمة مع إصابة واحد على الأقل من كل خمسة أشخاص بحالة صحية نفسية خفيفة إلى معتدلة، نتيجة طول أمد التعرض للعنف.
وتشدد المنظمة على ضرورة توفّر طبيب نفسي واحد على الأقل لكل 100 ألف مواطن.
“أساليب علاجية قديمة”
ويرى سمير يوسف (36 عاماً)، ويعمل كمعالج نفسي في مشفى ابن رشد، أن هناك حاجة ملحة لتحديث الوسائل والأساليب المستخدمة في العلاج النفسي في سوريا، التي لا تزال تعتمد على طرق قديمة.
ويعتمد معظم الأطباء في سوريا على التحليل النفسي أو الفضفضة والعلاج السلوكي المعرفي والعقاقير فقط كوسائل للعلاج، في ظل غياب وسائل علاجية حديثة وفعالة، وفقاً لما يشير إليه “يوسف”.
ويقول إن “الأطباء هنا بحاجة ماسة إلى دورات تدريبية على أنواع العلاجات الحديثة، مثل العلاج بالرسم والموسيقى والرياضة والحيوانات وغيرها”.
ويزيد على ذلك، “هناك نقص في برامج التدريب الموضوعة للأطباء والمعالجين الجدد”.
وتختلف أساليب العلاج النفسي الحديث، بناء على طبيعية الشخص الذي سيخضع للعلاج النفسي، والمشكلات النفسية والعقلية التي يعاني منها.
وبحسب المعالج النفسي فإن الكادر الجديد غير مؤهل للتعامل مع الحالات الشديدة، مثل اضطرابات الفصام والذهان وغيرها من الاضطرابات النفسية، الأمر الذي يزيد من أعباء الأطباء القدماء، الذين يتعرضون لضغوطات كبيرة، مع ارتفاع عدد المقيمين والمراجعين في المشفى.
أما الأسوأ من وجهة نظر “يوسف”، فهو عدم توفر أسرة وغرف، إذ يحتاج مشفى ابن رشد إلى أكثر من مئة سرير، لا يتوفر منه سوى ٤٠ سريراً فقط.
الأمر الذي يدفعهم كأطباء إلى إمكاث مرضى مصابين بأمراض خفيفة في نفس الغرفة التي يمكث فيها مصابون بأمراض نفسية وعصبية شديدة.
وهناك تحديات أخرى، مثل عدم توفر الأدوية النفسية أو انقطاعها بسبب الأزمة الاقتصادية والعجز المالي والوصم الاجتماعي، الأمر الذي يؤثر سلباً على الصحة النفسية للمرضى ويتسبب لهم بانتكاسات، بحسب “يوسف”.