الأزمة السورية.. ما بعد انسداد الخيارات

دخلت الأزمة السورية عامها الثاني عشر، دون أي آفق للحل، فكل المبادرات، والمؤتمرات، والقرارات التي طرحت بهذا الخصوص، وصلت إلى طريق مسدود، أو أنها فقدت أهميتها ومبرراتها مع الزمن، فيما أفرزت سنوات الأزمة تداعيات كارثية على سوريا التي أصبحت مقسمة عملياً إلى ثلاثة مناطق رئيسية واقعة تحت سيطرة ونفوذ قوى دولية أو إقليمية كبرى، وداخل كل منطقة ما يشبه جيوب أو مناطق مضطربة مع اختلاف درجة ذلك من منطقة إلى أخرى.

مرجعية جنيف التي عول عليها المجتمع الدولي لحل الأزمة، باتت في حكم الميت سريرياً تنتظر الدفن، مرجعية أستانا – سوتشي باتت تكرر نفسها على شكل مؤتمرات لا طائل منها، وعلى غرار مؤتمرات أستانا، باتت اجتماعات اللجنة الدستورية تدور في حلقة مفرغة، لا تنتج أفكاراً حيوية يمكن البناء عليها، والأهم أن اللاعبين الدوليين والإقليميين المعنيين، لا يبدون أي جهود حقيقية لحل الأزمة، ولعل كل طرف ينظر إلى الأزمة من زاوية مصالحه، وأولوياته، واستراتيجيته التي تتناقض مع استراتيجية الطرف الآخر، وهكذا بعد أحد عشر عاماً من هذه الأزمة التي دمرت البلاد، وطحنت السوريين تحت راية القتال، والفقر، والجوع، والهجرة والتهجير، والتدخلات الخارجية، باتت أولوية السوريين على اختلاف مشاربهم هي لقمة العيش التي أصبحت صعبة جداً.

في واقع صيرورة وصول الأزمة السورية إلى الانسداد، يمكن النظر إلى ثلاثة عوامل مهمة لهذا الانسداد:                    

الأول: غياب حوار حقيقي بين أطراف الأزمة السورية، فكل الحوارات التي جرت في هذا السياق، بدت وكأنها من نتاج عوامل خارجية تفتقر إلى فهم حقيقي لواقع الأزمة، بوصفها أزمة نظام سياسي لا يقبل التغيير أو يرفضه، في الطريق إلى دولة ديمقراطية تقبل المشاركة السياسية لكل المكونات، والأطياف الاجتماعية، والسياسية، والإدارية على أساس التعددية.

الثاني: حجم التدخلات الخارجية في الأزمة، فمن روسيا إلى الولايات المتحدة مروراً بتركيا وإيران وغيرها من الدول والأطراف الإقليمية المتورطة في الأزمة السورية، باتت فاعلة في إدامة هذه الأزمة، دون أن تتفق على توافقات تحفظ للسوريين إرادة الحل، وإنتاج هوية وطنية جامعة، وفي كثير من الأحيان جعلت هذه الدول من سوريا ساحة لتصفية حساباتها، أو ميدان صراع لقضاياها الكبرى العالقة.

الثالث: إن التدخلات الخارجية أنتجت مع الزمن معادلة خطرة، تتمثل في قوى محلية تؤمن بالعنف، ترهن نفسها للأجندة الخارجية، وصولاً إلى ممارسة الإرهاب، وهو ما أفقد الداخل معادلة امتلاك ورقة التغيير المطلوبة في عملية سياسية تدريجية، تنتج حلولاً لمعضلة التحول السياسي وشروطه، وهكذا بات النظام يرفض أي إصلاح يؤدي إلى التغيير المنشود، وبات جل همه العودة إلى ما قبل عام 2011، وكأن شيئاً لم يحصل طوال العقد الماضي، فيما الأطراف الواقعة تحت السيطرة التركية باتت تعمل لصالح أجندة التركي، سواء داخل سوريا أو خارجها، حتى أنها باتت توسم بممارسة الارتزاق من بابه العريض، فيما الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا الواقعة تحت التأثير الأميركي، باتت في امتحان خياراتها أمام حجم التهديدات التي تتعرض لها من كل الأطراف، إذ أنها تبدو مستهدفة من الجميع، وجل همها هو الدفع نحو عملية سياسية تحرك المياه الراكدة والمعيقة التي أنتجتها هذه الأزمة وتعقيداتها.      

ما الذي تعنيه اللحظة العدمية التي وصلت إليها الأزمة السورية؟. هل تعني العدمية في إنتاج الحلول أو الانطلاق بها؟ والأهم في يومنا هذا، ما هي  تداعيات الأحداث الكبرى مثل الحرب الروسية على أوكرانيا، ومباحثات الملف النووي الإيراني للتوصل إلى اتفاق نووي جديد على سير هذه الأزمة؟. من دون شك، أحداث العالم الكبرى تؤثر على الأزمات المندلعة هنا وهناك، لاسيما الأزمة السورية التي هي في صلب صراعات القوى الكبرى المعنية بالأزمة السورية أو الملف النووي الإيراني، ومع أن الصراعات الكبرى قد تنتج تداعيات أكثر سلبية على الأزمة السورية، لاسيما لجهة الاستقطابات إلا أن انسداد الخيارات والمبادارت المطروحة للحل قد تكون نقطة مفصلية، تقطة تضع الجميع أمام امتحان الحوار، على شكل مبادرات تكسر جدار العدمية التي أنتجتها فصول الأزمة، وتطلق الرؤى والديناميات اللازمة في معركة حراك سياسي سلمي جديد، يشكل بداية جديدة للداخل في معركة تطلعه للحل على أساس التغيير والهوية، من دون ذلك، فإن العدمية ستبقى معادلة تحكم الساحة السورية في المرحلة المنظورة، ما لم تشهد لحظة إنسداد الخيارات حوارا بين الأطراف السورية، ومن شأن كل ما سبق تعميق مأساة السوريين في كل الاتجاهات أكثر من أي وقت مضى.