حرية الرجل اساس حرية المرأة

تشغلني منذ ما ينوف على الخمسين سنة الأسئلة المتعلقة بالمرأة عموماً وبالمرأة المسلمة على وجه الخصوص، من حيث حريتها ومساواتها بالرجل ودورها في المجتمع، ومن حيث كونها عورة يؤسس عليها الكثير من القيم الاجتماعية المتخلفة، ومن حيث كونها موضوعاً لمتعة الرجل في الثقافة السائدة. وللأسف الشديد، لا يزال يندرج أي جهد أو أية محاولة للاقتراب من هذا الموضوع ومحاولة الإجابة عن تساؤلاته في إطار المغامرة، إذ انه اقتراب من تابو أحد المحرمات الثلاثة في عالمنا العربي؛ أعني ” الدين والجنس والسياسة”، بل هو اقتراب من أكثرها تحريماً، وإثارة لردود الأفعال غير العارفة.

وإذ اعود للكتابة عن هذا الموضوع من جديد،( بمناسبة يوم  المرأة العالمي وعيد الأم  السورية)، الذي تتكثف فيه حرية الرجل أولاً ومن ثم حرية المرأة، فإنني اقبل المغامرة سلفاً، وما يمكن أن ينتج عنها من استنتاجات خاطئة.

يتفق كثيرون على أن الواقع الاجتماعي المتخلف، وبيئته الثقافية ذات الطابع الديني المهيمن هي المسؤولة في جانب أساسي من القضية. في هذه البيئة الثقافية الدينية يتم تبرير ما هي عليه المرأة في مجتمعنا بحجج شرعية خاطئة. هل علينا أن نذكر بالرؤية الخاطئة التي تحصر وظيفة  المرأة في البيت بذريعة انها عورة وانها ناقصة عقل وناقصة دين؟!.

 إن القراءة الخاطئة للمقدس الديني، هي التي أسست لاستقرار نمط من الثقافة، ينظر إلى المرأة باعتبارها عورة، سرعان ما يلبسها الشيطان فتصير سبباً لغواية الرجل الموعود بالجنة ومتعها(كذا). لقد اجريت استقصاء المعنى اللغوي لجميع المفردات الدالة على الزنا في القرآن، وما يرتبط بها بالتالي من سلوكيات محرمة باعتبارها جالبة للإثم بتحفيز من سؤال استفزازي وجهته لي إحدى صديقات العائلة، أشكرها عليه، ومفاده لماذا تحملون المرأة وحدها مسؤولية الزنا؟ أليس الرجل شريكها؟!. بحثت في لسان العرب عن الدلالة اللغوية للمفردات التالية: نكح، زنا(زنى)، بغا(بغى)، فسق، عهر، فجر، نوك، قحب، بضع، دحم، وطئ، خجأ، جمع، وغيرها.  لقد توصلت نتيجة تفيد بأن الدلالة اللغوية في جميع هذه المفردات التي تدل على السلوك الجنسي المحرم تحيل إلى كلمة “بغاء” التي تعني غير الناضج في معناها الجنسي، وعليه يكون جماع القاصر ذكراً كان أم أنثى هو المحرم دينيا. ويتم الاستدلال على ذلك في القاموس بحديث منسوب إلى الرسول يفيد ” ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء”.

 ثم وبالرجوع إلى الآيات التي شرعت النكاح، بدلالته على القيام بفعل النكاح، وهو المعنى الغالب على الكلمة، وليس النكاح بمعنى عقد الزواج، الذي كرسه الفقه الشرعي، سوف نجد أن النكاح ارتبط بالمتعة وليس بإنجاب الأولاد، الذين وصفهم بـ “زينة الدنيا”. وسرعان ما ينسى حراس الفقه الأشاوس أن إثبات حد الزنى يتطلب أربعة شهود، يشهدون على رؤية الواقعة الجنسية رؤية مباشرة وليس رؤية استدلالية، وكان قد ضرب لهم الرسول مثلاً في موقفه من المرأة التي جاءت إليه تشهد على قيامها بفعل الزنا، وحجتها أنها حامل، فنهرها وطالبها بإحضار الشهود!

وبالرجوع إلى المراحل المبكرة من التاريخ الإسلامي حيث كان الناس لا يزالون حديثي العهد بالإسلام، وبالتالي لم تتفارق لديهم بعد الدلالة الاصطلاحية للمفردات السابقة الذكر عن دلالتها اللغوية، لوجدنا أن ثمة حرية جنسية كانت موجودة، منظور إليها من زاوية الرجل، أخذت شكل تعددية جنسية، كان قد مارسها الرسول وخلفاؤه من بعده، ورجال الدولة والناس عموما. ومن المعروف تاريخيا أن ما اصطلح عليه بزواج المتعة كان مطبقاً خلال المرحلة المبكرة من العهد الإسلامي، حتى جاء الخليفة عمر فألغاه.

ما أود التوصل إليه، ليس شرعنة الإباحية في العلاقات الجنسية، هكذا بلا ضوابط، بل أن أضع المسألة برمتها في إطار الحرية الشخصية. فليس أقرب للإنسان من جسده، وليس أكثر فطرية لدى الإنسان من الجنس سوى الأكل والشرب، ليس بصفته نشاطا إنتاجيا للنوع، بل متعة وحسب.

وعندما نضعه في إطار الحرية الشخصية، نكون قد حصرناه في إطار ما هو مستحب، أو غير مستحب، وخلصناه من كونه المصدر الأكبر للإثم، كما يحاول جهابذة الفقه تصويره عليه، وكما كرسوه في الوعي الديني الشعبي، ونصبوا أنفسهم حراساً عليه. ونكون أيضاً قد خلصناه من دوره في تحديد الكثير من القيم الاجتماعية، خصوصا تلك المرتبطة بالشرف.

لكن من الذي يسلب المرأة كل هذه الحقوق الطبيعية، إنه الرجل. ولذلك فإن قضية حرية وتحرر المرأة، هي قبل كل شيء، قضية تحرر الرجل. الرجل الحر والمتحرر لا يقبل تحت أية ذريعة استعباد المرأة، ولا يمارس ذلك في نطاق مسؤولياته.

بالطبع ليست المسألة بهذه البساطة، فهي تتطلب حصول تغيرات جوهرية في البنية الثقافية السائدة، وفي الشروط الاجتماعية، وفي أنماط الحياة السائدة، وهذه أمور لا تحصل من تلقاء ذاتها، بل لا بد من العمل على تغييرها، والنضال في سبيل ذلك. على هذا الطريق فإن العمل على التنمية الشاملة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها كفيل بتحرير الرجل والمرأة معها.