بعد عقد وعام من الحرب.. الجفاف يهدد خبز السوريين

القامشلي ـ نورث برس

قبل عقد من الزمن وحينما انطلقت الاحتجاجات الشعبية ضد “النظام الحاكم” في سوريا، كان “محمد عبدو” في عز شبابه، لكن اليوم وبعد نزوحه من مسقط رأسه، بدأت شعيرات بيضاء تغزو شعر رأسه، وبعد أن تغير همه الأول لعدة مرات خلال سنوات الحرب بات اليوم تأمين قوت عائلته يتصدر قائمة اهتماماته.

اضطر عبدو للنزوح ثلاث مرات، خلال سنوات الحرب، الأولى كانت عندما اقتربت دائرة المعارك من منزله في حي الأشرفية بحلب، والثانية إلى الرقة إبان سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على المدينة، ليستقر أخيراً في القامشلي، ولا يعلم إن كانت نهاية الرحلة أم أنها محطة انتظار للرحيل القادم.

وينتظر الشاب الثلاثيني ضمن طابور طويل على باب فرن حكومي يغذي حاجة المنطقة من الخبز، بانتظار الحصول على زاد عائلته، ويستغرق الأمر نحو ساعتين، وتطول المدة أحياناً نتيجة ما يطلق عليها السكان المحليون أزمة الخبز في المنطقة.

أكبر الأنهار نحو الجفاف

بعد عقد من الحرب، تبدو الصورة مختلفة في مناطق سورية كثيرة، خاصة تلك القريبة من نهر الفرات، حيث انحسر اللون الأخضر الذي كان يغطي مساحات كبيرة، وأظهرت صور تداولها نشطاء من المنطقة تشققات في الأرض بالإضافة إلى انحسار المساحات الخضراء التي كانت تغطي ضفاف النهر والمناطق القريبة منه، في العادة.

قبل عام، وتحديداً في شهر شباط/ فبراير الماضي، بدأت الجارة تركيا بتخفيض تدفق مياه نهر الفرات تجاه الأراضي السورية لنحو 200 متر مكعب في الثانية وسطياً، إلا إنه وصل لنحو 181 متر مكعب في الثانية ايضاً في أواسط العام الفائت، لتحتفظ بتلك المياه في سدود بنتها حديثاً.

وبحسب اتفاقية موقعة عام 1987 بين دمشق وأنقرة، تبلغ حصة سوريا من مياه نهر الفرات القادمة من تركيا 500 متر مكعب في الثانية أي ما يعادل 2500 برميل، لكن منسوب النهر انخفض بنحو 5 أمتار خلال العام الفائت، وفقاً لتصريحات مسؤولين محلين.

ارتفاع درجات الحرارة عن معدلاتها السنوية ساهم أيضاً بزيادة تبخر مياه الفرات، حيث يقول خبراء أن درجات الحرارة ارتفعت بنحو درجتين.

ووفقاً لخريطة أصدرتها وكالة الفضاء والطيران الأميركية لرصد درجات الحرارة على سطح الأرض، أواسط العام الفائت، يظهر فيها الشرق الأوسط في معظم مناطقه، باللون الأحمر القاتم، في إشارة إلى موجة حارة هائلة تتخطى حدود المتوسطات المعروفة للمنطقة منذ سنوات.

الجفاف وارتفاع درجات الحرارة أثرا بشكل كبير على إنتاج القمح في المنطقة، حيث تعرف مناطق الجزيرة السورية بأنها سلة الغذاء في البلاد، وكان إنتاج سوريا من القمح قبل العام 2011، أي قبل اندلاع الحرب يصل لنحو 4 ملايين طن سنوياً، لكنه انخفض لنحو مليون ونصف طن، وفقاً لتقارير صحفية.

الإدارة الذاتية التي تدير مناطق شمال شرقي البلاد، وهي أكثر المناطق زراعة القمح بنسبة تقدر بنحو 65% من إنتاج القمح في البلاد، ووفقاً لإحصائيات الإدارة بلغ إنتاج القمح في العام 2019 قرابة 900 ألف طن، وفي العام 2020، بلغ نحو 850 ألف طن، لكنه انخفض بشكل كبير خلال العام 2021 ليصل لأقل من 183 ألف طن، في رقم هو الأقل في تاريخ البلاد، وتقول المؤشرات التي يمكن تلخيصها في ثلاث وهي: استمرار صعود درجات الحرارة فوق معدلاتها، استمرار حبس مياه نهر الفرات، والقشرة التي تقصم ظهر البعير هي قلة الهطولات المطرية في الموسم الحالي.

الرئيس المشترك لهيئة الزراعة والاقتصاد في الإدارة الذاتية، سلمان بارودو، قال في تصريح خاص، إن انخفاض نسبة هطول الأمطار بشكل كبير وحبس تركيا لمياه نهر الفرات، ساهما بشكل كبير في قلة الإنتاج.

ولا يخفي المسؤول مخاوفه من الخطر المحدق بالأمن الغذائي خلال العام القادم، في ظل توقعات بإنتاج منخفض في العام الحالي أيضاً، حيث أن الأمطار لم تهطل سوى عدة مرات، في إشارة إلى خطر كبير يهدد أبرز مكونات سفرة الأكل اليومية لسكان المنطقة وهو الخبز.

وقال المسؤول الكردي إنه خلال الموسم قبل الفائت، اضطروا لشراء نحو 600 ألف طن من القمح، بما معناه أن سلة الغذاء السورية تستورد القمح من غيرها، وفي إشارة إلى الخطر المحدق بالأمن الغذائي الذي يلفه الجفاف.

ومن جانبه يقول الخبير الاقتصادي، عمران علي، في تصريح خاص، إن ارتفاع أسعار البذار والأسمدة أثر على مخزون القمح في المنطقة، ويلوم “هيئة الاقتصاد في الإدارة الذاتية” على الوضع الحالي، ويضيف: “لم نعد ننظر إلى الأمر كخطر قادم، بتنا في وجه ذاك الخطر، الشتاء القادم سيكون الأصعب على المنطقة”.

خبز مطعم بالذرة الصفراء

بعد تناقص كميات القمح، بدأت الإدارة الذاتية مطلع العام الجاري، وكحل أولي للمشكلة بخلط القمح المخصص للأفران بكميات من الذرة، في محاولة أولى لتدارك المشكلة التي يبدو أنها تأبى الرحيل بسرعة.

الرئيسة المشاركة لهيئة الاقتصاد في الإدارة الذاتية، أمل خزيم، قالت في تصريح صحفي، إنه وتفادياً لنقص كميات الطحين المخصص للخبز، يتم خلط نسبة عشرين بالمئة من دقيق الذرة الصفراء مع الطحين. 

وكحل للمعضلة يقول الخبير الاقتصادي، لا بد من تأمين خطوط إمداد ثابتة ومفتوحة للطحين، في ظل صعوبة ذلك مع حالة الحصار المفروضة على المنطقة، دعم المزارعين بالمحروقات، وتوفير السماد والبذور “بسعر التكلفة”، مع توفير قروض طويلة الأمد للمزارعين.

وقبل فترة، أعلنت الإدارة الذاتية، إيقاف توزيع المازوت المخصص للتدفئة وتوزيعه على المزارعين، في محاولة لتدارك الموسم الزراعي الذي عادة يتم حصاد القمح أواخر نيسان/أبريل من كل عام.

وفي السياق نفسه، تطالب جهات محلية، التحالف الدولي الذي يتشارك مع قوات سوريا الديمقراطية في الحرب ضد “داعش” بدعم المنطقة اقتصادياً، وتمكين البنية التحتية “المدمرة” جراء عقد من الحرب.

مسؤولة في الإدارة الذاتية قالت في تصريح خاص، إنه لا حلول جذرية لمشكلة الجفاف حتى الآن، وذكرت أن العبئ ثقيل على إدارتها التي تواجه الحرب ضد “الإرهاب” حتى الآن، ونجم عن عقد من الحرب بنية تحتية مدمرة لا تساعد في التغلب على المشكلة.

وقالت ميديا بوزان، وهي مسؤولة في هيئة البلديات في الإدارة الذاتية إنهم يلجؤون حالياً إلى تكثيف محطات الضخ لتأمين وصول المياه إلى المناطق الجافة، وكذلك يسهلون ويحفرون آبار ارتوازية، لكنها تضيف، أن ذلك “ليس بالحل الجذري”.

“بوزان” انتقدت الجهات الدولية الفاعلة في الملف السوري، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وكذلك المنظمات غير الحكومية العاملة في المنطقة، لعدم قيامهم بدور فعال في حل مشكلة الجفاف.

وبينما تكثر الانتقادات والمحاولات لتدارك الموقف، يعتبر محمد عبدو أن الغد سيكون أصعب من اليوم، وهو يقف تحت شمس، لطالما كانت غائبة في هذا الوقت من العام.

إعداد وتحرير: هوشنك حسن